الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 455 ] سورة الأنفال .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) ( 1 ) .

قوله تعالى : ( عن الأنفال ) : الجمهور على إظهار النون ، ويقرأ بإدغامها في اللام ، وقد ذكر في قوله : عن الأهلة [ البقرة : 189 ] .

و ( ذات بينكم ) : قد ذكر في آل عمران عند قوله : ( بذات الصدور ) [ آل عمران : 154 ] .

قال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) ( 2 ) .

قوله تعالى : ( وجلت ) : مستقبله توجل بفتح التاء وسكون الواو ، وهي اللغة الجيدة ، ومنهم من يقلب الواو ألفا تخفيفا ، ومنهم من يقلبها ياء بعد كسر التاء ، وهو على لغة من كسر حرف المضارعة ، وانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها . ومنهم من يفتح التاء مع سكون الياء ، فتركب من اللغتين لغة ثالثة ، فتفتح الأول على اللغة الفاشية ، وتقلب الواو ياء على الأخرى . ( وعلى ربهم يتوكلون ) : يجوز أن تكون الجملة حالا من ضمير المفعول في زادتهم ، ويجوز أن يكون مستأنفا .

قال تعالى : ( أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) ( 4 ) .

قوله تعالى : ( حقا ) : قد ذكر مثله في النساء .

و ( عند ربهم ) : ظرف ، والعامل فيه الاستقرار ؛ ويجوز أن يكون العامل فيه درجات ؛ لأن المراد به الأجور .

[ ص: 456 ] قال تعالى : ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ) ( 5 ) .

قوله تعالى : ( كما أخرجك ) : في موضع الكاف أوجه : أحدها : أنها صفة لمصدر محذوف ، ثم في ذلك المصدر أوجه ، تقديره : ثابتة لله ثبوتا كما أخرجك . والثاني : وأصلحوا ذات بينكم إصلاحا ، كما أخرجك ، وفي هذا رجوع من خطاب الجمع إلى خطاب الواحد . والثالث تقديره : وأطيعوا الله طاعة كما أخرجك ، والمعنى طاعة محققة . والرابع تقديره : يتوكلون توكلا كما أخرجك . والخامس : هو صفة لحق تقديره : أولئك هم المؤمنون حقا ؛ مثل ما أخرجك . والسادس تقديره : يجادلونك جدالا كما أخرجك . والسابع تقديره : وهم كارهون كراهية كما أخرجك ؛ أي : ككراهيتهم ، أو كراهيتك لإخراجك .

وقد ذهب قوم إلى أن الكاف بمعنى الواو التي للقسم ، وهو بعيد .

و " ما " مصدرية وبـ " ـالحق " حال وقد ذكر نظائره . ( وإن فريقا ) : الواو هنا واو الحال .

قال تعالى : ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ) ( 7 ) .

قوله تعالى : ( وإذ يعدكم ) : إذ في موضع نصب ؛ أي : واذكروا ، والجمهور على ضم الدال ، ومنهم من يسكنها تخفيفا لتوالي الحركات . و ( إحدى ) : مفعول ثان .

و ( أنها لكم ) : في موضع نصب بدلا من إحدى بدل الاشتمال ، والتقدير : وإذ يعدكم الله ملكة إحدى الطائفتين .

قال تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ( 9 ) .

قوله تعالى : ( إذ تستغيثون ) : يجوز أن يكون بدلا من " إذ " الأولى ، وأن يكون التقدير : اذكروا ، ويجوز أن يكون ظرفا لتودون .

( بألف ) : الجمهور على إفراد لفظة الألف .

ويقرأ " بآلف " على أفعل مثل أفلس ، وهو معنى قوله : ( بخمسة آلاف ) [ آل عمران : 125 ] .

[ ص: 457 ] ( مردفين ) : يقرأ بضم الميم ، وكسر الدال وإسكان الراء ، وفعله " أردف " ، والمفعول محذوف ؛ أي : مردفين أمثالهم .

ويقرأ بفتح الدال على ما لم يسم فاعله ؛ أي : أردفوا بأمثالهم .

ويجوز أن يكون المردفون من جاء بعد الأوائل ؛ أي : جعلوا ردفا للأوائل ، ويقرأ بضم الميم ، وكسر الدال ، وتشديدها وعلى هذا في الراء ثلاثة أوجه : الفتح ، وأصلها مرتدفين ، فنقلت حركة التاء إلى الراء ، وأبدلت دالا ليصح إدغامها في الدال ، وكان تغيير التاء أولى ؛ لأنها مهموسة ، والدال مجهورة ، وتغيير الضعيف إلى القوي أولى . والثاني : كسر الراء على إتباعها لكسرة الدال ، أو على الأصل في التقاء الساكنين . والثالث : الضم إتباعا لضمة الميم .

ويقرأ بكسر الميم والراء على إتباع الميم الراء .

وقيل : من قرأ بفتح الراء وتشديد الدال فهو من ردف بتضعيف العين للتكثير ، أو أن التشديد بدل من الهمزة كأفرجته وفرجته .

التالي السابق


الخدمات العلمية