الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فوائد منثورة :

قال بعضهم : ليس في القرآن ناسخ إلا والمنسوخ قبله في الترتيب ، إلا في آيتين : آية العدة في البقرة ، وقوله لا يحل لك النساء [ الأحزاب : 52 ] . تقدم .

وزاد بعضهم ثالثة ، وهي آية الحشر في الفيء على رأي من قال : إنها منسوخة بآية الأنفال : واعلموا أنما غنمتم من شيء [ الأنفال : 41 ] .

وزاد قوم رابعة ، وهي قوله : خذ العفو [ الأعراف : 199 ] . يعني الفضل من أموالهم ، على رأي من قال : إنها منسوخة بآية الزكاة .

وقال ابن العربي : كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار ، والتولي والإعراض والكف عنهم ، فهو منسوخ بآية السيف ، وهي : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين الآية [ التوبة : 5 ] . نسخت مائة وأربعا وعشرين آية ، ثم نسخ آخرها أولها . انتهى .

وقد تقدم ما فيه .

وقال أيضا : من عجيب المنسوخ قوله تعالى : خذ العفو الآية ، فإن أولها وآخرها ، وهو : وأعرض عن الجاهلين [ الأعراف : 199 ] منسوخ ووسطها محكم ; وهو : وأمر بالعرف [ الأعراف : 199 ] .

وقال : من عجيبه - أيضا - آية أولها منسوخ وآخرها ناسخ ، ولا نظير لها وهي قوله : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . [ المائدة : 105 ] يعني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهذا ناسخ لقوله ( عليكم أنفسكم ) .

وقال السعيدي : لم يمكث منسوخ مدة أكثر من قوله تعالى : قل ما كنت بدعا من الرسل [ الأحقاف : 9 ] الآية ، مكثت ست عشرة سنة حتى نسخها أول الفتح عام الحديبية .

[ ص: 660 ] وذكر هبة الله بن سلامة الضرير أنه قال في قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه [ الإنسان : 8 ] الآية : إن المنسوخ من هذه الجملة ( وأسيرا ) والمراد بذلك أسير المشركين . فقرئ عليه الكتاب وابنته تسمع . فلما انتهى إلى هذا الموضع ، قالت له : أخطأت يا أبت ، قال : وكيف ؟ قالت : أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا . فقال : صدقت .

وقال شيذلة في البرهان : يجوز نسخ الناسخ فيصير منسوخا ، كقوله لكم دينكم ولي دين [ الكافرون : 6 ] نسخها قوله تعالى : فاقتلوا المشركين [ التوبة : 5 ] ، ثم نسخ هذه بقوله : حتى يعطوا الجزية [ التوبة : 29 ] كذا قال ، وفيه نظر من وجهين :

أحدهما : ما تقدمت الإشارة إليه .

والآخر : أن قوله : حتى يعطوا الجزية [ التوبة : 29 ] مخصص للآية لا ناسخ ، نعم يمثل له بأخر سورة المزمل ، فإنه ناسخ لأولها ، منسوخ بفرض الصلوات .

وقوله : انفروا خفافا وثقالا [ التوبة : 41 ] ناسخ لآيات الكف ، منسوخ بآيات العذر .

وأخرج أبو عبيد ، عن الحسن وأبي ميسرة ، قالا : ليس في المائدة منسوخ .

ويشكل بما في المستدرك عن ابن عباس : أن قوله : فاحكم بينهم أو أعرض عنهم [ المائدة : 42 ] . منسوخ بقوله : وأن احكم بينهم بما أنزل الله [ المائدة : 49 ] .

وأخرج أبو عبيد وغيره ، عن ابن عباس ، قال : أول ما نسخ من القرآن نسخ القبلة .

[ ص: 661 ] وأخرج أبو داود في ناسخه من وجه آخر عنه قال : أول آية نسخت من القرآن القبلة ، ثم الصيام الأول .

قال مكي : وعلى هذا فلم يقع في المكي ناسخ . قال : وقد ذكر أنه وقع في آيات : منها قوله تعالى : في سورة غافر : يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا [ غافر : 7 ] . فإنه ناسخ لقوله : ويستغفرون لمن في الأرض [ الشورى : 5 ] .

قلت : أحسن من هذه نسخ قيام الليل في أول سورة المزمل بآخرها ، أو بإيجاب الصلوات الخمس ، وذلك بمكة اتفاقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية