الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) .

[ ص: 26 ] الصيام والصوم مصدران لـ ( صام ) ، والعرب تسمي كل ممسك صائما ، ومنه الصوم في الكلام ( إني نذرت للرحمن صوما ) ، أي : سكوتا في الكلام ، وصامت الريح : أمسكت عن الهبوب ، والدابة : أمسكت عن الأكل والجري ، وقال النابغة الذبياني :


خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج ، وأخرى تعلك اللجما



أي : ممسكة عن الجري . وتسمى الدابة التي لا تدور : الصائمة ، قال الراجز :


والبكرات شرهن الصائمه



وقالوا : صام النهار : ثبت حره في وقت الظهيرة واشتد ، وقال :


ذمول إذا صام النهار وهجرا



وقال :


حتى إذا صام النهار واعتدل     ومال للشمس لعاب فنزل



ومصام النجوم ، إمساكها عن السير ومنه :


كأن الثريا علقت في مصامها



فهذا مدلول الصوم من اللغة . وأما الحقيقة الشرعية فهو : إمساك عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص ويبين في الفقه .

الطاقة ، والطوق : القدرة والاستطاعة ، ويقال : طاق وأطاق كذا ، أي : استطاعه وقدر عليه ، قال أبو ذئب :


فقلت له احمل فوق طوقك إنها     مطبعة من يأتها لا يضيرها



الشهر مصدر شهر الشيء يشهره : أظهره ومنه الشهرة ، وبه سمي الشهر ، وهو : المدة الزمانية التي يكون مبدأ الهلال فيها خافيا إلى أن يستسر ، ثم يطلع خافيا . سمي بذلك لشهرته في حاجة الناس إليه في المعاملات وغيرها من أمورهم ، وقال الزجاج : الشهر الهلال . قال :


والشهر مثل قلامة الظفر



سمي بذلك لبيانه ، وقيل : سمي الشهر شهرا باسم الهلال إذا أهل سمي شهرا ، وتقول العرب : رأيت الشهر أي : هلاله . قال ذو الرمة ( شعرا ) :


ترى الشهر قبل الناس وهو نحيل



ويقال : أشهرنا ، أي : أتى علينا شهر ، وقال الفراء : لم أسمع منه فعلا إلا هذا ، وقال الثعلبي : يقال شهر الهلال إذا طلع ، ويجمع الشهر قلة على : أفعل ، وكثرة على : فعول ، وهما مقيسان فيه .

رمضان علم على شهر الصوم ، وهو علم جنس ، ويجمع على : رمضانات وأرمضة ، وعلقة هذا الاسم من مدة كان فيها في الرمضي ، وهو شدة الحر ، كما سمي الشهر ربيعا من مدة الربيع ، وجمادى من مدة الجمود ، ويقال : رمض الصائم يرمض : احترق جوفه من شدة العطش ، ورمضت الفصال : أحرق الرمضاء أخفافها فبركت من شدة الحر ، وانزوت إلى ظل أمهاتها ، ويقال : أرمضته الرمضاء : أحرقته ، وأرمضني الأمر . وقيل : سمي رمضان : لأنه يرمض الذنوب ، أي : يحرقها بالأعمال الصالحة ، وقيل : لأن القلوب تحترق من الموعظة فيه والفكرة في أمر الآخرة ، وقيل : من رمضت النصل : رققته بين حجرين ليرق ، ومنه : نصل رميض ومرموض ، عن ابن السكيت . وكانوا يرمضون أسلحتهم في هذا الشهر ليحاربوا بها في شوال قبل دخول الأشهر الحرام ، وكان هذا الشهر في الجاهلية يسمى ناتقا . أنشد المفضل :


وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغى     وولت على الأدبار فرسان خثعما



وقال الزمخشري : الرمضان ، مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء . انتهى . ويحتاج في تحقيق أنه مصدر إلى صحة نقل : لأن فعلانا ليس مصدر " فعل " اللازم ، بل إن جاء فيه ذلك كان شاذا ، والأولى أن يكون مرتجلا منقولا .

وقيل : هو مشتق من الرمض ، وهو مطر يأتي قبل الخريف يطهر الأرض من الغبار .

القرآن : مصدر قرأ قرآنا . قال حسان - رضي الله عنه :


ضحوا بأشمط عنوان السجود به     يقطع الليل تسبيحا وقرآنا



أي : وقراءة ، وأطلق على ما بين الدفتين من كلام الله عز وجل ، وصار علما على ذلك ، وهو من إطلاق المصدر على اسم المفعول في الأصل ، ومعنى قرآن بالهمز : الجمع : لأنه يجمع السور ، كما قيل في القرء وهو [ ص: 27 ] إجماع الدم في الرحم أولا : لأن القارئ يلقيه عند القراءة من قول العرب : ما قرأت هذه الناقة سلا قط أي : ما رمت به ، ومن لم يهمز فالأظهر أن يكون ذلك من باب النقل والحذف ، أو تكون النون أصلية ، من قرنت الشيء إلى الشيء : ضممته : لأن ما فيه من السور والآيات والحروف مقترن بعضها إلى بعض ، أو لأن ما فيه من الحكم والشرائع كذلك ، أو ما فيه من الدلائل ومن القرائن : لأن آياته يصدق بعضها بعضا ، ومن زعم من : قريت الماء في الحوض ، أي : جمعته ، فقوله فاسد لاختلاف المادتين .

السفر : مأخوذ من قولهم : سفرت المرأة إذا ألقت خمارها ، والمصدر السفور . قال الشاعر :


وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت     فقد رابني منها الغداة سفورها



وتقول : سفر الرجل ألقى عمامته ، وأسفر الوجه والصبح أضاء . الأزهري : سمي مسافرا لكشف قناع الكن عن وجهه ، وبروزه للأرض الفضاء ، والسفر بسكون الفاء : المسافرون ، وهو اسم جمع كالصحب والركب ، والسفر من الكتب : واحد الأسفار : لأنه يكشف عما تضمنه .

اليسر : السهولة ، ويسر : سهل ، يسر : سهل ، وأيسر : استغنى ، ويسر ، من الميسر ، وهو قمار معروف . وقال علقمة :


لا ييسرون بخيل قد يسرت بها     وكل ما يسر الأقوام مغروم



وسميت اليد اليسرى تفاؤلا ، أو لأنه يسهل بها الأمر لمعاونتها اليمنى . العسر : الصعوبة والضيق ، ومنه أعسر إعسارا ، وذو عسرة ، أي : ضيق . الإكمال : الإتمام . والإجابة : قد يراد بها السماع ، وفي الحديث أن أعرابيا قال : يا محمد . قال : قد أجبتك . وقالوا : دعا من لا يجيب ، أي : من لا يسمع ، كما أن السماع قد يراد به الإجابة ، ومنه : سمع الله من حمده . وأنشد ابن الأعرابي حيث قال :


دعوت الله حتى خفت أن لا     يكون الله يسمع ما أقول



وجهة المجاز بينهما ظاهرة : لأن الإجابة مترتبة على السماع ، والإجابة : حقيقة إبلاغ السائل ما دعا به ، وأجاب واستجاب بمعنى قطع ، وألفه منقلبة عن واو ، يقال : جاب يجوب : قطع ، فكأن المجيب اقتطع للسائل ما سأل أن يعطاه ، ويقال : أجابت السماء بالمطر ، وأجابت الأرض بالنبات ، كأن كلا منهما سأل صاحبه فأجابه بما سأل .

قال زهير :


وغيث من الوسمي حلو بلاغه     أجابت روابيه النجا وهواطله



الرشد : ضد الغي ، يقال : رشد بالفتح ، رشدا ، ورشد بالكسر رشدا ، وأرشدت فلانا : هديته ، وطريق أرشد ، أي : قاصد ، والمراشد : مقاصد الطريق ، وهو لرشدة ، أي : هو لحلال ، وهو خلاف هو لزنية ، وأم راشد : الفأرة ، وبنو رشدان : بطن من العرب ، وبنو راشد قبيلة كبيرة من البربر .

الرفث : مصدر رفث ، ويقال : أرفث تكلم بالفحش . قال العجاج :


ورب أسراب حجيج كظم     عن اللغا ورفث التكلم



وقال ابن عباس ، والزجاج ، وغيرهما : الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة . وأنشد ابن عباس :


وهن يمشين بنا هميسا     إن تصدق الطير ننك لميسا



فقيل له : أترفث وأنت محرم ، فقال : إنما الرفث عند النساء ، وفي الحديث : " من حج هذا البنية فلم يرفث ولم يفسق ، خرج منها كيوم ولدته أمه " . وقيل : الرفث الجماع ، واستدل على ذلك بقول الشاعر :


ويرين من أنس الحديث زوانيا     ولهن عن رفث الرجال نفار



( وبقول الآخر ) :


فباتوا يرفثون وبات منا     رجال في سلاحهم ركوبا



[ ص: 28 ] ( وبقول الآخر ) :


فظلنا هنالك في نعمة     وكل اللذاذة غير الرفث



ولا دلالة في ذلك ، إذ يحتمل أن يكون أراد المقدمات : كالقبلة والنظرة والملاعبة .

اختان : من الخيانة ، يقال : خان خونا وخيانة ، إذا لم يف ، وذلك ضد الأمانة ، وتخونت الشيء : نقصته ، ومنه الخيانة ، وهو ينقص المؤتمن . وقال زهير :


بآرزة الفقارة لم يخنها     قطاف في الركاب ولا خلاء



وتخونه وتخوله : تعهده .

الخيط : معروف ، ويجمع على فعول وهو فيه مقيس ، أعني في " فعل " الاسم ، اليائي العين نحو : بيت وبيوت ، وجيب وجيوب ، وغيب وغيوب ، وعين وعيون ، والخيط ، بكسر الخاء : الجماعة من النعام ، قال الشاعر :


فقال ألا هذا صوار وعانة     وخيط نعام يرتعي متفرق



البياض والسواد لونان معروفان ، يقال منهما : بيض وسود ، فهو أبيض وأسود ، ولم يعل العين بالنقل والقلب : لأنها في معنى ما يصح وهما : أبيض وأسود . العكوف : الإقامة ، عكف بالمكان : أقام به ، قال تعالى : ( يعكفون على أصنام لهم ) ، وقال الفرزدق يصف الجفان :


ترى حولهن المعتفين كأنهم     على صنم في الجاهلية عكف



( وقال الطرماح ) :


باتت بنات الليل حولي عكفا     عكوف البواكي بينهن صريع



وفي الشرع عبارة عن عكوف مخصوص ، وقد بين في كتب الفقه . الحد ، قال الليث : حد الشيء : منتهاه ومنقطعه ، والمراد بحدود الله مقدراته بمقادير مخصوصة وصفات مخصوصة .

الإدلاء : الإرسال للدلو ، اشتق منه فعل ، فقالوا : أدلى دلوه ، أي : أرسلها ليملأها ، وقيل : أدلى فلان بماله إلى الحاكم : رفعه . قال :


وقد جعلت إذا ما حاجة عرضت     بباب دارك أدلوها بأقوام



ويقال : أدلى فلان بحجته : قام بها ، وتدلى من كذا أي : هبط . قال :


كتيس الظباء الأعفر ، انضرجت له     عقاب ، تدلت من شماريخ ثهلان



التالي السابق


الخدمات العلمية