وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِوَصِيَّةِ الْإِنْسَانِ بِالنَّظَرِ فِي أَوَّلِ نَشْأَتِهِ الْأُولَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَنْ أَنْشَأَهُ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِ وَجَزَائِهِ ، فَيَعْمَلَ لِذَلِكَ وَلَا يُمْلِي عَلَى حَافِظِهِ إِلَّا مَا يَسُرُّهُ فِي عَاقِبَتِهِ . وَ ( مِمَّ خُلِقَ ) اسْتِفْهَامٌ ، وَمِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِ ( خُلِقَ ) ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ ( فَلْيَنْظُرْ ) ، وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ . وَجَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ : ( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ) وَهُوَ مَنِيُّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَمَّا امْتَزَجَا فِي الرَّحِمِ وَاتَّحَدَا عَبَّرَ عَنْهُمَا بِمَاءٍ ، وَهُوَ مُفْرَدٌ ، وَدَافِقٌ قِيلَ : هُوَ بِمَعْنَى مَدْفُوقٍ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ . وَعِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ : هُوَ عَلَى النَّسَبِ ، كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ ، أَيْ : ذِي دَفْقٍ . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : بِمَعْنَى دَافِقٍ لَزِجٍ ، وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ وَصْفَهُ لَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ ، وَالدَّفْقُ : الصَّبُّ ، فِعْلُهُ مُتَعَدٍّ . وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالدَّفْقُ : دَفْعُ الْمَاءِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ، تَدَفَّقَ الْوَادِي وَالسَّيْلُ إِذَا جَاءَ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا . وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ دَافِقًا ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْفَعُ بَعْضًا ، فَمِنْهُ دَافِقٌ وَمِنْهُ مَدْفُوقٌ . انْتَهَى . وَرُكِّبَ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى تَدَفَّقَ ، وَتَدَفَّقَ لَازِمٌ دَفَقْتُهُ فَتَدَفَّقَ ، نَحْوَ : كَسَرْتُهُ فَتَكَسَّرَ ، وَدَفَقَ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ مَا فَسَّرَ مِنْ قَوْلِهِ : وَالدَّفْقُ دَفْعُ الْمَاءِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ، بَلِ الْمَحْفُوظُ أَنَّهُ الصَّبُّ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( يَخْرُجُ ) مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ( مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ ) بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ اللَّامِ ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَابْنُ مِقْسَمٍ : مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَهُمَا وَأَهْلُ مَكَّةَ وَعِيسَى : بِضَمِّ الصَّادِ وَاللَّامِ ، وَالْيَمَانِيُّ : بِفَتْحِهِمَا . قَالَ الْعَجَّاجُ :
فِي صُلْبٍ مِثْلِ الْعَنَانِ الْمُؤَدَّمِ
وَتَقَدَّمَتِ اللُّغَاتُ فِي الصُّلْبِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَإِعْرَابُهَا صَالِبٌ كَمَا قَالَ الْعَبَّاسُ :
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ
قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ : مَعْنَاهُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَتَرَائِبِهِ . وَقَالَ سُفْيَانُ وَقَتَادَةُ أَيْضًا : مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ التَّرَائِبِ فِي الْمُفْرَدَاتِ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ ، وَعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ : هِيَ أَضْلَاعُ الرَّجُلِ الَّتِي أَسْفَلَ الصُّلْبِ . وَقِيلَ : مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْرِ . وَقِيلَ : هِيَ التَّرَاقِي ، وَعَنْ مَعْمَرٍ : هِيَ عُصَارَةُ الْقَلْبِ وَمِنْهُ يَكُونُ الْوَلَدُ . وَنَقَلَ مَكِّيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ التَّرَائِبَ أَطْرَافُ الْمَرْءِ ، رِجْلَاهُ وَيَدَاهُ وَعَيْنَاهُ . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : وَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ تَحْكُمُ عَلَى اللُّغَةِ . انْتَهَى .
( إِنَّهُ ) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْخَالِقِ الدَّالِّ عَلَيْهِ ( خُلِقَ ) . ( عَلَى رَجْعِهِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ : الضَّمِيرُ فِي رَجْعِهِ عَائِدٌ عَلَى الْإِنْسَانِ ، أَيْ عَلَى رَدِّهِ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ ، أَيْ مَنْ أَنْشَأَهُ أَوَّلًا قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ : عَلَى رَدِّهِ مِنَ الْكِبَرِ إِلَى الشَّبَابِ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَاءِ ، أَيْ عَلَى رَدِّ الْمَاءِ فِي الْإِحْلِيلِ أَوْ فِي الصُّلْبِ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَوْلِ الضَّحَّاكِ يَكُونُ الْعَامِلُ فِي ( يَوْمَ تُبْلَى ) مُضْمَرًا تَقْدِيرُهُ اذْكُرْ . وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، فَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ : الْعَامِلُ ( نَاصِرٍ ) مِنْ قَوْلِهِ : ( وَلَا نَاصِرٍ ) وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا ، وَكَذَلِكَ مَا النَّافِيَةُ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَنْصُورِ . وَقَالَ آخَرُونَ ، وَمِنْهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ : الْعَامِلُ ( رَجْعِهِ ) وَرُدَّ بِأَنْ فِيهِ فَصْلًا بَيْنَ الْمَوْصُولِ وَمُتَعَلِّقِهِ ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الصِّلَةِ ، وَلَا يَجُوزُ . وَقَالَ الْحُذَّاقُ مِنَ النُّحَاةِ : الْعَامِلُ فِيهِ مُضْمَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ تَقْدِيرُهُ : يُرْجِعُهُ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ . قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : وَكُلُّ هَذِهِ الْفِرَقِ فَرَّتْ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ " لَقَادِرٌ " ، لِأَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ تَخْصِيصُ الْقُدْرَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَحْدَهُ . وَإِذَا تُؤُمِّلَ الْمَعْنَى وَمَا يَقْتَضِيهِ فَصِيحُ كَلَامِ الْعَرَبِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى " لَقَادِرٌ " ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَفِي كُلِّ وَقْتٍ . ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى [ ص: 456 ] وَخَصَّصَ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْوَقْتَ الْأَهَمَّ عَلَى الْكُفَّارِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْجَزَاءِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْعَذَابِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ إِلَى حَذَرِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ . انْتَهَى .
( تُبْلَى ) قِيلَ : تُخْتَبَرُ ، وَقِيلَ : تُعْرَفُ وَتُتَصَفَّحُ وَتُمَيَّزُ صَالِحُهَا مِنْ فَاسِدِهَا ، وَالسَّرَائِرُ : مَا أَكَنَّتْهُ الْقُلُوبُ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالنِّيَّاتِ ، وَمَا أَخْفَتْهُ الْجَوَارِحُ مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ السَّرَائِرِ . وَفِي الْحَدِيثِ : إِنَّهَا التَّوْحِيدُ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ، وَكَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ أَعْظَمَ السَّرَائِرِ ، وَسَمِعَ الْحَسَنُ مَنْ يُنْشِدُ :
سَيَبْقَى لَهَا فِي مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا سَرِيرَةُ وُدٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
فَقَالَ : مَا أَغْفَلَهُ عَمَّا فِي السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ، وَالْبَيْتُ لِلْأَحْوَصِ . وَلَمَّا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِي الدُّنْيَا إِمَّا بِقُوَّةٍ فِي الْإِنْسَانِ ، وَإِمَّا بِنَاصِرٍ خَارِجٍ عَنْ نَفْسِهِ نَفَى عَنْهُ تَعَالَى مَا يَمْتَنِعُ بِهِ وَأَتَى بِمِنَ الدَّالَّةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي نَفْيِ الْقُوَّةِ وَالنَّاصِرِ . ( وَالسَّمَاءِ ) أَقْسَمَ ثَانِيًا بِالسَّمَاءِ وَهِيَ الْمِظَلَّةُ . قِيلَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّحَابَ ، ( ذَاتِ الرَّجْعِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الرَّجْعُ : السَّحَابُ فِيهِ الْمَطَرُ . وَقَالَ الْحَسَنُ : تَرْجِعُ بِالرِّزْقِ كُلَّ عَامٍ . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : الرَّجْعُ مَصْدَرُ رُجُوعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَمِنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى مَنْزِلَةٍ ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ ، وَقِيلَ : الرَّجْعُ : الْمَطَرُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ :
أَبْيَضُ كَالرَّجْعِ رَسُوبٌ إِذَا مَا نَاحَ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي
يَصِفُ سَيْفًا شَبَّهَهُ بِمَاءِ الْمَطَرِ فِي بَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ ، وَسُمِّيَ رَجْعًا كَمَا سُمِّيَ إِرْبًا ، قَالَ الشَّاعِرُ :
رَبَّا شَمَالًا لَا يَأْوِي لِقُلَّتِهَا إِلَّا السَّحَابُ وَإِلَّا الْإِرْبُ وَالسَّبَلُ
تَسْمِيَةٌ بِمَصْدَرِ آبَ وَرَجَعَ . تَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّ السَّحَابَ يَحْمِلُ الْمَاءَ مِنْ بِحَارِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْجِعُهُ إِلَى الْأَرْضِ إِذَا أَرَادُوا التَّفَاؤُلَ ، وَسَمَّوْهُ رَجْعًا وَإِرْبًا لِيَرْجِعَ وَيَئُوبَ . وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْجِعُهُ وَقْتًا فَوَقْتًا ، قَالَتِ الْخَنْسَاءُ :
كَالرَّجْعِ فِي الْمُدْجِنَّةِ السَّارِيَهْ
وَقِيلَ : الرَّجْعُ : الْمَلَائِكَةُ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِرُجُوعِهِمْ بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ . وَقِيلَ : السَّحَابُ ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ : أَنَّ الرَّجْعَ هُوَ الْمَطَرُ ، وَالصَّدْعُ : مَا تَتَصَدَّعُ عَنْهُ الْأَرْضُ مِنَ النَّبَاتِ ، وَيُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ قَالَ : الرَّجْعُ : الْمَطَرُ . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : ذَاتُ الِانْشِقَاقِ : النَّبَاتِ . وَقَالَ أَيْضًا : ذَاتُ الْحَرْثِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : الصَّدْعُ : مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شِقَاقٍ وَلِصَابٍ وَخَنْدَقٍ وَتَشَقُّقٍ بِحَرْثٍ وَغَيْرِهِ ، وَهِيَ أُمُورٌ فِيهَا مُعْتَبَرٌ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : ذَاتُ الطُّرُقِ تُصَدِّعُهَا الْمُشَاةُ . وَقِيلَ : ذَاتُ الْأَمْوَاتِ لِانْصِدَاعِهَا عَنْهُمْ يَوْمَ النُّشُورِ . وَالضَّمِيرُ فِي ( إِنَّهُ ) قَالُوا عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ . ( فَصْلٌ ) أَيْ فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، كَمَا قِيلَ لَهُ فُرْقَانٌ . وَأَقُولُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي ( إِنَّهُ ) عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي أَخْبَرَ فِيهِ بِبَعْثِ الْإِنْسَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَابْتِلَاءِ سَرَائِرِهِ ، أَيْ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ قَوْلٌ جَزْمٌ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ لَا هَزْلَ فِيهِ ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ قَدْ عَادَ عَلَى مَذْكُورٍ ، وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي تَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنِ الْبَعْثِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا هَزْلٌ بَلْ هُوَ جِدٌّ كُلُّهُ ( إِنَّهُمْ ) أَيِ الْكَافِرُونَ ( يَكِيدُونَ ) أَيْ فِي إِبْطَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَإِطْفَاءِ نُورِ الْحَقِّ ( وَأَكِيدُ ) أَيْ أُجَازِيهِمْ عَلَى كَيْدِهِمْ ، فَسَمَّى الْجَزَاءَ كَيْدًا عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ) ، ( إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) ، ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ) أَيِ انْتَظِرْ عُقُوبَتَهُمْ وَلَا تَسْتَعْجِلْ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَّدَ أَمْرَهُ فَقَالَ : ( أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ) أَيْ إِمْهَالًا ، لَمَّا كَرَّرَ الْأَمْرَ تَوْكِيدًا خَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ ، عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُطْلَقٌ ، وَهَذَا الثَّانِيَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ : ( رُوَيْدًا ) وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ( مَهِّلْهُمْ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ الْهَاءِ مُوَافَقَةً لِلَفْظِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ .
|