الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في فضل الصوم

                                                                                                          764 حدثنا عمران بن موسى القزاز حدثنا عبد الوارث بن سعيد حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربكم يقول كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف والصوم لي وأنا أجزي به الصوم جنة من النار ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل إني صائم وفي الباب عن معاذ بن جبل وسهل بن سعد وكعب بن عجرة وسلامة بن قيصر وبشير ابن الخصاصية واسم بشير زحم بن معبد والخصاصية هي أمه قال أبو عيسى وحديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( القزاز ) بفتح القاف وشد الزاي الأولى ، قال في القاموس : القز الإبريسم ، والقزاز ككتان بائع القز .

                                                                                                          قوله : ( كل حسنة بعشر أمثالها ) أي تضاعف بعشر أمثالها ( إلى سبعمائة ضعف ) بكسر الضاد أي مثل ( والصوم لي ) وفي رواية الشيخين : كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي إلخ ، قال الحافظ في الفتح : قد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى : الصيام لي وأنا أجزي به مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوال ، ثم ذكر الحافظ عشرة أقوال ثم قال : وأقرب الأقوال التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني ، وأنا أذكر هاهنا هذين القولين ، ومن شاء الوقوف على باقيها فليرجع إلى الفتح ، فالقول الأول أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ، قال أبو عبيد في غريبه : قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها فنرى -والله أعلم- أنه إنما خص الصيام ؛ لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب ، ويؤيد هذا التأويل قوله -صلى الله عليه وسلم- : " ليس في الصيام رياء " ، حدثنيه [ ص: 394 ] شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلا ، قال : وذلك ؛ لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس ، هذا وجه الحديث عندي ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ : وقد روى الحديث المذكور البيهقي في الشعب من طريق عقيل ، وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ، ولفظه : الصيام لا رياء فيه قال الله -عز وجل- : " هو لي وأنا أجزي به " ، وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع .

                                                                                                          قال الحافظ : معنى النفي في قوله : " لا رياء في الصوم " أنه لا يدخله الرياء بفعله وإن كان قد يدخله الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية ، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع في جهة الإخبار بخلاف الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها . وثانيها أن المراد بقوله : " وأنا أجزي به " ، أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته ، وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس .

                                                                                                          قال القرطبي : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس ، وأنها تضاعفت من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله ، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير . ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال : كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله ، قال الله : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ، انتهى . والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال ، انتهى ما في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن معاذ بن جبل وسهل بن سعد وكعب بن عجرة وسلامة بن قيصر وبشير ابن الخصاصية ) أما حديث معاذ بن جبل فأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من رواية أبي وائل عن معاذ ، والحديث طويل وفيه : الصوم جنة ، وذكر المنذري هذا الحديث الطويل في باب الصمت .

                                                                                                          وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما . وأما حديث كعب بن عجرة فأخرجه الحاكم عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " احضروا المنبر " ، فحضرنا ، فلما ارتقى درجة قال : " آمين " ، فلما ارتقى الدرجة الثانية ، قال : " آمين " ، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال : " آمين " ، فلما نزل قلنا : يا رسول الله ، لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا [ ص: 395 ] نسمعه؟ قال : " إن جبريل عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له . قلت : آمين ، فلما رقيت الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين ، فلما رقيت الثالثة قال : بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة . قلت : آمين " . قال الحاكم : صحيح الإسناد . وأما حديث سلامة بن قيصر فأخرجه أبو يعلى والبيهقي عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " من صام يوما ابتغاء وجه الله بعده الله من جهنم كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما " ، كذا في الترغيب ، لكن فيه سلمة بن قيصر بغير الألف ، وقال المنذري بعد ذكر هذا الحديث : ورواه الطبراني فسماه سلامة بزيادة ألف ، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة ، انتهى . وأما حديث بشير ابن الخصاصية فلينظر من أخرجه .

                                                                                                          قوله : ( واسم بشير زحم ) بالزاي وسكون الحاء المهملة .




                                                                                                          الخدمات العلمية