الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس

                                                                                                          1586 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية حدثنا الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن دينار عن بجالة بن عبدة قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية على مناذر فجاءنا كتاب عمر انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر قال أبو عيسى هذا حديث حسن

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس ) الجزية من جزأت الشيء إذا قسمته ثم سهلت الهمزة ، وقيل : من الجزاء أي لأنها جزاء تركهم ببلاد الإسلام ، أو من الإجزاء لأنها من تواضع عليه في عصمة دمه ، قال الله تعالى : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أي ذليلون حقيرون ، وهذه الآية هي الأصل في مشروعية [ ص: 175 ] الجزية ، ودل منطوق الآية مع أهل الكتاب ، ومفهومها أن غيرهم لا يشاركهم فيها . قال أبو عبيد : ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب ، وعلى المجوس بالسنة . واحتج غيره بعموم قوله في حديث بريدة وغيره : فإذا ألفيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوا وإلا فالجزية . واحتجوا أيضا بأن أخذها من المجوس يدل على ترك مفهوم الآية ، فلما انتفى تخصيص أهل الكتاب بذلك دل على أن لا مفهوم لقوله من أهل الكتاب ، وأجيب بأن المجوس كان لهم كتاب ثم رفع . وروى الشافعي وغيره حديثا عن علي . ذكره الحافظ في الفتح بإسناد حسن .

                                                                                                          قوله : ( عن بجالة ) بفتح الموحدة وتخفيف الجيم ( بن عبدة ) التميمي مكي ثقة ويعد في أهل البصرة ( قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية ) بفتح الجيم وسكون الزاي وبهمزة هو تميمي تابعي كان والي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالأهواز ( على مناذر ) بفتح الميم اسم موضع ( انظر مجوس من قبلك ) بكسر القاف وفتح الموحدة ( أخذ الجزية من مجوس هجر ) بفتح هاء وجيم قاعدة أرض البحرين كذا في المغني وهو غير منصرف ، قال الطيبي : اسم بلد باليمن يلي البحرين واستعماله على التذكير والصرف . وقال في القاموس : هجر محركة بلد باليمن بينه وبين عثر يوم وليلة مذكر مصروف وقد يؤنث ويمنع ، واسم لجميع أرض البحرين وقرية كانت قرب المدينة ينسب إليها القلال وتنسب إلى هجر اليمن . قال في شرح السنة : أجمعوا على أخذ الجزية من المجوس ، وذهب أكثرهم إلى أنهم ليسوا من أهل الكتاب وإنما أخذت الجزية منهم بالسنة كما أخذت من اليهود والنصارى بالكتاب ، وقيل : هم من أهل الكتاب . روي عن علي كرم الله وجهه قال : كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا وقد أسري على كتابهم فرفع بين أظهرهم كذا في المرقاة .

                                                                                                          قلت : قال الحافظ : روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي : كان المجوس أهل كتاب يقرءونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال إن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسري على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء انتهى . والحديث دليل على أن المجوس يؤخذ منهم الجزية . وفرق الحنفية فقالوا : تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب ، وحكى الطحاوي عنهم يقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب [ ص: 176 ] إلا الإسلام أو السيف . وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد ، وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام انتهى . وقال القاري في شرح حديث بريدة الآتي في باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم في القتال ما لفظه : والحديث مما يستدل به مالك والأوزاعي ومن وافقهما على جواز أخذ الجزية من كل كافر عربيا كان أو عجميا كتابيا أو غير كتابي . وقال أبو حنيفة : تؤخذ الجزية من جميع الكفار إلا من مشركي العرب ومجوسهم . وقال الشافعي : لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس أعرابا كانوا أو أعاجم ، ويحتج بمفهوم الآية وبحديث : سنوا به سنة أهل الكتاب ، وتأول هذا الحديث على أن المراد بهؤلاء أهل الكتاب لأن اسم المشرك يطلق على أهل الكتاب وغيرهم وكان تخصيصه معلوما عند الصحابة انتهى ما في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود .




                                                                                                          الخدمات العلمية