الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطإ وشبه العمد على عاقلة الجاني

                                                                                                                1681 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( إن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة : عبد أو أمة ) وفي رواية : ( أنها ضربتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلها ) .

                                                                                                                أما قوله : ( بغرة : عبد ) فضبطناه على شيوخنا في الحديث والفقه بغرة بالتنوين ، وهكذا قيده جماهير العلماء في كتبهم ، وفي مصنفاتهم في هذا ، وفي شروحهم . وقال القاضي عياض : الرواية فيه ( بغرة ) بالتنوين ، وما بعده بدل منه ، قال : ورواه بعضهم بالإضافة ، قال : والأول أوجه وأقيس . وذكر صاحب المطالع الوجهين ثم قال : الصواب رواية التنوين ، قلنا : ومما يؤيده ويوضحه رواية البخاري في صحيحه في كتاب الديات في باب دية جنين المرأة عن المغيرة بن شعبة ، قال : " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة عبدا أو أمة " قال العلماء : و ( أو ) هنا للتقسيم لا للشك ، والمراد بالغرة عبد أو أمة ، وهو اسم لكل واحد منهما ، قال الجوهري : كأنه عبر بالغرة عن الجسم كله كما قالوا : أعتق رقبة ، وأصل الغرة بياض في الوجه ، ولهذا قال أبو عمرو : والمراد بالغرة الأبيض منهما خاصة ، قال : ولا يجزي الأسود ، قال : ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائدا على شخص العبد والأمة ، لما ذكرها ، ولاقتصر على قوله : ( عبد أو أمة ) هذا قول أبي عمرو ، وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء أنه تجزي فيها السوداء ، ولا تتعين البيضاء ، وإنما المعتبر [ ص: 326 ] عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم ، أو نصف عشر دية الأب ، قال أهل اللغة : الغرة عند العرب أنفس الشيء ، وأطلقت هنا على الإنسان ; لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم . وأما ما جاء في بعض الروايات في غير الصحيح : ( بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل ) فرواية باطلة ، وقد أخذ بها بعض السلف ، وحكي عن طاوس وعطاء ومجاهد : أنها عبد أو أمة أو فرس ، وقال داود : كل ما وقع عليه اسم الغرة يجزي .

                                                                                                                واتفق العلماء على أن دية الجنين هي الغرة ، سواء كان الجنين ذكرا أو أنثى ، قال العلماء : وإنما كان كذلك ; لأنه قد يخفى فيكثر فيه النزاع فضبطه الشرع بضابط يقطع النزاع ، وسواء كان خلقه كامل الأعضاء أو ناقصها أو كان مضغة تصور فيها خلق آدمي ، ففي كل ذلك الغرة بالإجماع ، ثم الغرة تكون لورثته على مواريثهم الشرعية ، وهذا شخص يورث لا يرث ، ولا يعرف له نظير إلا من بعضه حر وبعضه رقيق ، فإنه رقيق لا يرث عندنا ، وهل يورث ؟ فيه قولان أصحهما : يورث ، وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير ، وحكى القاضي عن بعض العلماء أن الجنين كعضو من أعضاء الأم فتكون ديته لها خاصة .

                                                                                                                واعلم أن المراد بهذا كله إذا انفصل الجنين ميتا أما إذا انفصل حيا ثم مات فيجب فيه كمال دية الكبير ، فإن كان ذكرا وجب مائة بعير ، وإن كان أنثى فخمسون ، وهذا مجمع عليه ، وسواء في هذا كله العمد والخطأ ، ومتى وجبت الغرة فهي على العاقلة ، لا على الجاني ، هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وسائر الكوفيين - رضي الله عنهم - وقال مالك والبصريون : تجب على الجاني ، وقال الشافعي وآخرون : يلزم الجاني الكفارة ، وقال بعضهم : لا كفارة عليه ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية