الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب التيمم

                                                                                                                367 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا ألا ترى إلى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر فقالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب التيمم التيمم في اللغة هو القصد . قال الإمام أبو منصور الأزهري : التيمم في كلام العرب القصد ، يقال : تيممت فلانا ويممته وتأممته وأممته أي قصدته . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 45 ] واعلم أن التيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو خصيصة خص الله - سبحانه وتعالى - به هذه الأمة زادها الله تعالى شرفا وأجمعت الأمة على أن التيمم لا يكون إلا في الوجه واليدين ، سواء كان عن حدث أصغر أو أكبر ، وسواء تيمم عن الأعضاء كلها أو بعضها . والله أعلم .

                                                                                                                واختلف العلماء في كيفية التيمم فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه لا بد من ضربتين ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين . وممن قال بهذا من العلماء علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، والحسن البصري ، والشعبي ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وسفيان الثوري ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأصحاب الرأي ، وآخرون - رضي الله عنهم - أجمعين ، وذهبت طائفة إلى أن الواجب ضربة واحدة للوجه والكفين ، وهو مذهب عطاء ، ومكحول ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وعامة أصحاب الحديث .

                                                                                                                وحكي عن الزهري أنه يجب مسح اليدين إلى الإبطين هكذا حكاه عنه أصحابنا في كتب المذهب ، وقد قال الإمام أبو سليمان الخطابي : لم يختلف أحد من العلماء في أنه لا يلزم مسح ما وراء المرفقين ، وحكى أصحابنا أيضا عن ابن سيرين أنه قال : لا يجزيه أقل من ثلاث ضربات : ضربة للوجه ، وضربة ثانية لكفيه ، وثالثة لذراعيه .

                                                                                                                وأجمع العلماء على جواز التيمم عن الحدث الأصغر ، وكذلك أجمع أهل هذه الأعصار ومن قبلهم على جوازه للجنب والحائض والنفساء ، ولم يخالف فيه أحد من الخلف ولا أحد من السلف إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، - رضي الله عنهما - وحكي مثله عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي ، وقيل : إن عمر ، وعبد الله ، رجعا عنه . وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة المشهورة ، والله أعلم .

                                                                                                                وإذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أنه قال : لا يلزمه ، وهو مذهب متروك بإجماع من قبله ومن بعده وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره - صلى الله عليه وسلم - للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء . والله أعلم .

                                                                                                                ويجوز للمسافر والمعزب في الإبل وغيرهما أن يجامع زوجته وإن كانا عادمين للماء ، ويغسلان فرجيهما ، ويتيممان ، ويصليان ، ويجزيهما التيمم ، ولا إعادة عليهما إذا غسلا فرجيهما . فإن لم يغسل الرجل ذكره وما أصابه من المرأة وصلى بالتيمم على حاله فإن قلنا : إن رطوبة فرج المرأة نجسة لزمه إعادة الصلاة ، وإلا فلا يلزمه الإعادة . والله أعلم .

                                                                                                                وأما إذا كان على بعض أعضاء المحدث نجاسة فأراد التيمم بدلا عنها فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه لا يجوز ، وقال أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - : يجوز أن يتيمم إذا كانت النجاسة على بدنه ، ولم يجز إذا كانت على ثوبه . واختلف أصحابه في وجوب إعادة هذه الصلاة . وقال ابن المنذر : كان الثوري والأوزاعي وأبو ثور يقولون : يمسح موضع النجاسة بتراب ، ويصلي . والله أعلم .

                                                                                                                وأما إعادة الصلاة التي يفعلها بالتيمم فمذهبنا أنه لا يعيد إذا تيمم للمرض أو الجراحة ونحوهما ، وأما إذا تيمم للعجز عن الماء فإن كان في موضع يعدم فيه الماء غالبا كالسفر لم تجب الإعادة ، وإن كان في موضع لا يعدم فيه الماء إلا نادرا وجبت الإعادة على المذهب الصحيح . والله أعلم .

                                                                                                                وأما جنس ما يتيمم به فاختلف العلماء فيه فذهب الشافعي وأحمد وابن المنذر وداود الظاهري وأكثر الفقهاء إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق بالعضو ، وقال أبو حنيفة ومالك : [ ص: 46 ] يجوز التيمم بجميع أنواع الأرض حتى بالصخرة المغسولة ، وزاد بعض أصحاب مالك فجوزه بكل ما اتصل بالأرض من الخشب وغيره ، وعن مالك في الثلج روايتان . وذهب الأوزاعي وسفيان الثوري إلى أنه يجوز بالثلج وكل ما على الأرض . والله أعلم .

                                                                                                                وأما حكم التيمم فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه لا يرفع الحدث ، بل يبيح الصلاة ، فيستبيح به فريضة وما شاء من النوافل ، ولا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد ، وإن نوى بتيممه الفرض استباح الفريضة والنافلة ، وإن نوى النفل استباح النفل ولم يستبح به الفرض ، وله أن يصلي على جنائز بتيمم واحد ، وله أن يصلي بالتيمم الواحد فريضة وجنائز ، ولا يتيمم قبل دخول وقتها ، وإذا رأى المتيمم لفقد الماء ماء وهو في الصلاة لم تبطل صلاته ، بل له أن يتمها إلا إذا كان ممن تلزمه الإعادة فإن صلاته تبطل برؤية الماء . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره ) فيه جواز مسافرة الزوج بزوجته الحرة .

                                                                                                                قولها : ( حتى إذا كان بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه وأقام الناس معه وليس معهم ماء وليسوا على ماء ) وفي الرواية الأخرى ( عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت ) أما ( البيداء ) فبفتح الباء الموحدة في أولها وبالمد ، وأما ( ذات الجيش ) فبفتح الجيم وإسكان الياء وبالشين المعجمة ، والبيداء وذات الجيش موضعان بين المدينة وخيبر ، وأما ( العقد ) فهو بكسر العين وهو كل ما يعقد ويعلق في العنق فيسمى عقدا وقلادة ، وأما قولها ( عقد لي ) وفي الرواية الأخرى استعارت من أسماء قلادة فلا مخالفة بينهما فهو في الحقيقة ملك لأسماء وأضافته في الرواية إلى نفسها لكونه في يدها ، وقولها : ( فهلكت ) معناه ضاعت ، وفي هذا الفصل من الحديث فوائد منها جواز العارية ، وجواز عارية الحلي ، وجواز المسافرة بالعارية إذا كان بإذن المعير ، وجواز اتخاذ النساء القلائد . وفيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم وإن قلت ، ولهذا أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على التماسه ، وجواز الإقامة في موضع لا ماء فيه وإن احتاج إلى التيمم ، وفيه غير ذلك . والله أعلم .

                                                                                                                قولها : ( فعاتبني أبو بكر رضي الله عنه ، وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ) في تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب ونحوه ، وفيه تأديب الرجل ابنته وإن كانت كبيرة مزوجة خارجة عن بيته . وقولها : ( يطعن ) هو بضم العين وحكي فتحها ، وفي الطعن في المعاني عكسه .

                                                                                                                [ ص: 47 ] قوله : ( فقال أسيد بن حضير ) هو بضم الهمزة وفتح السين وحضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة ، وهذا وإن كان ظاهرا فلا يضر بيانه لمن لا يعرفه .

                                                                                                                قولها : ( فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته ) كذا وقع هنا وفي رواية البخاري فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا فوجدها وفي رواية : رجلين وفي رواية : ناسا وهي قضية واحدة . قال العلماء : المبعوث هو أسيد بن حضير وأتباع له فذهبوا فلم يجدوا شيئا ، ثم وجدها أسيد بعد رجوعه تحت البعير . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية