الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وقوله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله وقوله إن إبراهيم لأواه حليم وقال أبو ميسرة الرحيم بلسان الحبشة

                                                                                                                                                                                                        3171 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا المغيرة بن النعمان قال حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني إلى قوله العزيز الحكيم [ ص: 446 ] [ ص: 447 ] [ ص: 448 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 446 ] [ ص: 447 ] [ ص: 448 ] قوله : ( باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وقوله : إن إبراهيم كان أمة قانتا لله وقوله : إن إبراهيم لأواه حليم ) وكأنه أشار بهذه الآيات إلى ثناء الله تعالى على إبراهيم عليه السلام ، وإبراهيم بالسريانية معناه أب راحم ، والخليل فعيل بمعنى فاعل وهو من الخلة بالضم وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله ، وهذا صحيح بالنسبة إلى ما في قلب إبراهيم من حب الله تعالى . وأما إطلاقه في حق الله تعالى فعلى سبيل المقابلة ، وقيل : الخلة أصلها الاستصفاء وسمي بذلك لأنه يوالي ويعادي في الله تعالى ، وخلة الله له نصره وجعله إماما ، وقيل هو مشتق من الخلة بفتح المعجمة وهي الحاجة ، سمي بذلك لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته عليه ، وسيأتي تفسير الآية في تفسير النحل إن شاء الله تعالى . وإبراهيم هو ابن آزر واسمه تارح بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة ابن ناحور بنون ومهملة مضمومة ابن شاروخ بمعجمة وراء مضمومة وآخره معجمة ابن راغوء بغين معجمة ابن فالخ بفاء ولام مفتوحة بعدها معجمة ابن عبير ويقال عابر وهو بمهملة وموحدة ابن شالخ بمعجمتين ابن أرفخشذ بن سام بن نوح . لا يختلف جمهور أهل النسب ولا أهل الكتاب في ذلك ، إلا في النطق ببعض هذه الأسماء . نعم ساق ابن حبان في أول تاريخه خلاف ذلك وهو شاذ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو ميسرة : الرحيم بلسان الحبشة ) يعني الأواه ، وهذا الأثر وصله وكيع في تفسيره من طريق أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال : الأواه الرحيم بلسان الحبشة . وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن مسعود بإسناد حسن قال : الأواه الرحيم ، ولم يقل بلسان الحبشة . ومن طريق عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين قال : قال رجل : يا رسول الله الأواه ؟ قال : الخاشع المتضرع في الدعاء ومن طريق ابن عباس قال : الأواه الموقن . ومن طريق مجاهد قال : الأواه الحفيظ ، الرجل يذنب الذنب سرا ثم يتوب منه سرا . ومن وجه آخر عن مجاهد قال : الأواه المنيب الفقيه الموفق . ومن طريق الشعبي قال : الأواه المسبح . ومن طريق كعب الأحبار في قوله أواه قال : كان إذا ذكر النار قال أواه من عذاب الله . ومن طريق أبي ذر قال : " كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه أوه أوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه [ ص: 449 ] لأواه " رجاله ثقات إلا أن فيه رجلا مبهما ، وذكر أبو عبيدة أنه فعال من التأوه ومعناه متضرع شفقا ولزوما لطاعة ربه . ثم ذكر المصنف في الباب عشرين حديثا :

                                                                                                                                                                                                        أحدها حديث ابن عباس في صفة الحشر ، والمقصود منه قوله : وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام وروى البيهقي في " الأسماء " من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا : أول من يكسى إبراهيم حلة من الجنة ، ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ، ويؤتى بي فأكسى حلة لا يقوم لها البشر ويقال إن الحكمة في خصوصية إبراهيم بذلك لكونه ألقي في النار عريانا ، وقيل : لأنه أول من لبس السراويل . ولا يلزم من خصوصيته عليه السلام بذلك تفضيله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن المفضول قد يمتاز بشيء يخص به ولا يلزم منه الفضيلة المطلقة . ويمكن أن يقال لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على القول بأن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه . وسيأتي مزيد لهذا في أواخر الرقاق .

                                                                                                                                                                                                        وقد ثبت لإبراهيم عليه السلام أوليات أخرى كثيرة : منها أول من ضاف الضيف ، وقص الشارب واختتن ورأى الشيب وغير ذلك ، وقد أتيت على ذلك بأدلة في كتابي " إقامة الدلائل على معرفة الأوائل " وسيأتي شرح حديث الباب مستوفى في أواخر الرقاق إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية