الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب التحريض على الرمي وقول الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم

                                                                                                                                                                                                        2743 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد قال سمعت سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لكم لا ترمون قالوا كيف نرمي وأنت معهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ارموا فأنا معكم كلكم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب التحريض على الرمي وقول الله عز وجل وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الآية لمح بما جاء في تفسير القوة في هذه الآية أنها الرمي ، وهو عند مسلم من حديث عقبة بن عامر ولفظه " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ثلاثا " ولأبي داود وابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر رفعه أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة : صانعه يحتسب في صنعته الخير ، والرامي به ، ومنبله . فارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا الحديث ، وفيه ومن ترك الرمي بعد علمه رغبة عنه فإنه نعمة كفرها ولمسلم من وجه آخر عن عقبة رفعه من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى ورواه ابن ماجه بلفظ : فقد عصاني ، قال القرطبي : إنما فسر القوة بالرمي وإن كانت القوة تظهر بإعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة ، لأنه قد يرمي رأس الكتيبة فيصاب فيهزم من خلفه . وذكر المصنف في الباب حديثين :

                                                                                                                                                                                                        أحدهما حديث سلمة بن الأكوع

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 108 ] قوله : ( مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ) أي من بني أسلم القبيلة المشهورة ، وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ينتضلون ) بالضاد المعجمة أي يترامون ، والتناضل الترامي للسبق ، وفضل فلان فلانا إذا غلبه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأنا مع بني فلان ) في حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة عند ابن حبان والبزار " وأنا مع ابن الأدرع " انتهى ، واسم ابن الأدرع محجن ، وقع ذلك من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في هذا الحديث عند الطبراني قال فيه : وأنا مع محجن بن الأدرع " ومثله في مرسل عروة أخرجه السراج عن قتيبة عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه ، وهو صحابي معروف له حديث آخر في الأدب المفرد للبخاري وفي أبي داود والنسائي وابن خزيمة ، وقيل اسم ابن الأدرع سلمة حكاه ابن منده قال : والأدرع لقب واسمه ذكوان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قالوا كيف نرمي وأنت معهم ) اسم قائل ذلك منهم نضلة الأسلمي ذكره ابن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي عن أشياخ من قومه من الصحابة قالوا " بينا محجن بن الأدرع يناضل رجلا من أسلم يقال له نضلة ، فذكر الحديث وفيه : فقال نضلة وألقى قوسه من يده : والله لا أرمي معه وأنت معه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأنا معكم كلكم ) بكسر اللام ، ووقع في رواية عروة " وأنا مع جماعتكم " والمراد بالمعية معية القصد إلى الخير ، ويحتمل أن يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده ولا يخرج كما تقدم ، ولا سيما وقد خصه بعضهم بالإمام قال المهلب يستفاد منه أن من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له أن لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم حيث أمسكوا لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر خشية أن يغلبوهم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب فأمسكوا عن ذلك تأدبا معه انتهى . وتعقب بأن المعنى الذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا بل الظاهر أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم معهم وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر .

                                                                                                                                                                                                        وقد وقع في رواية حمزة بن عمرو عند الطبراني " فقالوا من كنت معه فقد غلب " وكذا في رواية ابن إسحاق " فقال نضلة : لا نغلب من كنت معه " واستدل بهذا الحديث على أن اليمن من بني إسماعيل ، وفيه نظر لما سيأتي في مناقب قريش من أنه استدلال بالأخص على الأعم . وفيه أن الجد الأعلى يسمى أبا ، وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وتطييب قلوب من هم دونه ، وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب ، وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها ، وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية