الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا وجد تمرة في الطريق

                                                                                                                                                                                                        2299 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن طلحة عن أنس رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق قال لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها وقال يحيى حدثنا سفيان حدثني منصور وقال زائدة عن منصور عن طلحة حدثنا أنس

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب إذا وجد خشبة في البحر أو سوطا أو نحوه ) أي ماذا يصنع به ، هل يأخذه أو يتركه ؟ [ ص: 103 ] وإذا أخذه هل يتملكه أو يكون سبيله سبيل اللقطة ؟ وقد اختلف العلماء في ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الليث إلخ ) تقدم الكلام عليه مستوفى في الكفالة ، وأورده هنا مختصرا ، وسبق توجيه استنباط الترجمة منه وأنها من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت في شرعنا ما يخالفه ، ولا سيما إذا ساقه الشارع مساق الثناء على فاعله فبهذا التقدير تم المراد من جواز أخذ الخشبة من البحر . وقد اختلف العلماء في ذلك على ما سأذكره . وأما السوط وغيره فلم يقع له ذكر في الباب ، فاعترضه ابن المنير بسبب ذلك وأجيب بأنه استنبطه بطريق الإلحاق .

                                                                                                                                                                                                        ولعله أشار بالسوط إلى أثر يأتي بعد أبواب في حديث أبي بن كعب ، أو أشار إلى ما أخرجه أبو داود من حديث جابر قال : " رخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به " وفي إسناده ضعف ، واختلف في رفعه ووقفه ، والأصح عند الشافعية أنه لا فرق في اللقطة بين القليل والكثير في التعريف وغيره ، وفي وجه لا يجب التعريف أصلا ، وقيل : تعرف مرة وقيل : ثلاثة أيام وقيل : زمنا يظن أن فاقده أعرض عنه ، وهذا كله في قليل له قيمة أما ما لا قيمة له كالحبة الواحدة فله الاستبداد به على الأصح ، وفي الباب الذي يليه في حديث التمرة حجة لذلك ، وعند الحنفية أن كل شيء يعلم أن صاحبه لا يطلبه كالنواة جاز أخذه والانتفاع به من غير تعريف ، إلا أنه يبقى على ملك صاحبه . وعند المالكية كذلك إلا أنه يزول ملك صاحبه عنه ، فإن كان له قدر ومنفعة وجب تعريفه . واختلفوا في مدة التعريف ، فإن كان مما يتسارع إليه الفساد جاز أكله ولا يضمن على الأصح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب إذا وجد تمرة في الطريق ) أي يجوز له أخذها وأكلها وكذا نحوها من المحقرات ، وهو المشهور المجزوم به عند الأكثر وأشار الرافعي إلى تخريج وجه فيه . وقد روى ابن أبي شيبة من طريق ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت : لا يحب الله الفساد ، تعني أنها لو تركت فلم تؤخذ فتؤكل فسدت .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 104 ] قوله : ( عن طلحة ) هو ابن مصرف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لأكلتها ) ظاهر في جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في الطرقات ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنه لم يمتنع من أكلها إلا تورعا لخشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه ، لا لكونها مرمية في الطريق فقط . وقد أوضح ذلك قوله في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب " على فراشي " فإنه ظاهر في أنه ترك أخذها تورعا لخشية أن تكون صدقة فلو لم يخش ذلك لأكلها ، ولم يذكر تعريفا فدل على أن مثل ذلك يملك بالأخذ ولا يحتاج إلى تعريف ، لكن هل يقال إنها لقطة لأن اللقطة ما من شأنه أن يتملك دون ما لا قيمة له ؟ وقد استشكل بعضهم تركه - صلى الله عليه وسلم - التمرة في الطريق مع أن الإمام يأخذ المال الضائع للحفظ وأجيب باحتمال أن يكون أخذها كذلك لأنه ليس في الحديث ما ينفيه ، أو تركها عمدا لينتفع بها من يجدها ممن تحل له الصدقة ، وإنما يجب على الإمام حفظ المال الذي يعلم تطلع صاحبه له ، لا ما جرت به العادة بالإعراض عنه لحقارته . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال يحيى ) أي ابن سعيد القطان ، وقد وصله مسدد في مسنده عنه ، أخرجه الطحاوي من طريق مسدد . قلت : ولسفيان فيه إسناد آخر أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عنه بهذا الإسناد إلى طلحة فقال : " عن ابن عمر أنه وجد تمرة فأكلها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال زائدة إلخ ) وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن زائدة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية