الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في ذكر الأخبار المصطفوية في بر الوالدين

وأما الأخبار المصطفوية والآثار المحمدية فهي أكثر من أن تحضر ، في مثل هذا المختصر . ولكن لا بد من ذكر طرف صالح منها .

ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال الصلاة في وقتها . قلت ثم أي ؟ قال بر الوالدين . قلت ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله } .

وفي صحيح مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه } . [ ص: 374 ] وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه من الجهاد فقال أحي والداك ؟ قال نعم ، قال فيهما فجاهد } .

وفي رواية لمسلم { أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله . قال فهل من والديك أحد حي ؟ قال نعم بل كلاهما حي . قال فتبتغي الأجر من الله ؟ قال نعم . قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما } .

وأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه { أن رجلا قال يا رسول الله ما حق الوالدين على ولدهما ؟ قال هما جنتك ونارك } .

وأخرج ابن ماجه أيضا والنسائي واللفظ له والحاكم وقال صحيح الإسناد عن معاوية بن جاهمة { أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أن أستشيرك ، فقال هل لك من أم ؟ قال نعم ، قال فالزمها فإن الجنة عند رجلها } .

وروى الطبراني أن { النبي صلى الله عليه وسلم قال لطلحة بن معاوية السلمي أمك حية ؟ قال نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم الزم رجلها فثم الجنة } أشار الحافظ المنذري إلى ضعفه .

وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلا أتاه فقال إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها . فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { الوالد أوسط أبواب الجنة ، فإن شئت فضع ذلك الباب أو احفظه } .

ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ " أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال إن أبي لم يزل بي حتى زوجني وإنه الآن يأمرني بطلاقها . قال ما أنا بالذي آمرك أن تعق والديك ولا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك ، غير أنك إن شئت حدثتك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول { الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ على ذلك إن شئت أو دع } قال فأحسب عطاء قال فطلقها . [ ص: 375 ] وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من سره أن يمد الله له في عمره ، ويزاد في رزقه فليبر والديه ، وليصل رحمه } .

وأخرج أبو يعلى والطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره } .

وأخرج الترمذي وقال حسن غريب عن سليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر } .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك محقا كان أو مبطلا ، فإن لم يفعل لم يرد علي الحوض } .

وأخرجه الطبراني بإسناد حسن من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ { بروا آباءكم تبركم أبناؤكم . وعفوا تعف نساؤكم } ورواه الطبراني أيضا هو وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها .

وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه . قيل من يا رسول الله ؟ قال من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة } ومعنى رغم أنفه أي لصق بالرغم وهو التراب .

وأخرج الإمام أحمد من طرق أحدها حسن عن مالك بن عمرو القشيري رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من أعتق رقبة مسلمة فهي فداه من النار . ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده الله } زاد في رواية : { وأسحقه } . [ ص: 376 ] وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم . قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ، فنأى بي طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما ، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي انتظرت استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج زاد بعض الرواة : والصبية يتضاغون عند قدمي . قال النبي صلى الله عليه وسلم : قال الآخر : اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه ، فتحرجت من الوقوع عليها ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . قال النبي صلى الله عليه وسلم : وقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أد إلي أجري ، فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق . فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي ، فقلت إني لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه . فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون } . قوله في الحديث { وكنت لا أغبق قبلها أهلا ولا مالا } الغبوق بفتح الغين المعجمة هو الذي يشرب بالعشي ومعناه كنت لا أقدم عليهما في شرب اللبن أهلا ولا غيرهم . وقوله { يتضاغون } بالضاد والغين المعجمتين أي يضجون من الجوع . والسنة العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئا [ ص: 377 ] سواء نزل غيث أم لم ينزل . وقوله { تفض الخاتم } هو بتشديد الضاد المعجمة كناية عن الوطء والله أعلم .

وفي رواية للبخاري قال { بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار في الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها لله عز وجل صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها . فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران ، ولي صبية صغار ، كنت أرعى ، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ، وأنه نأى بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما ، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون عند قدمي ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله عز وجل لهم حتى يروا منها السماء } وذكر الحديث .

وعند ابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { خرج ثلاثة فيمن كان قبلهم يرتادون لأهليهم فأصابهم السماء فلجئوا إلى جبل فوقعت عليهم صخرة ، فقال بعضهم لبعض عفا الأثر ووقع الحجر ولا يعلم بمكانكم إلا الله ، فادعوا الله بأوثق أعمالكم } الحديث .

وأخرج ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعا { رضا الله في رضا الوالدين ، وسخط الله في سخط الوالدين } ورواه الترمذي ورجع وقفه .

والطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ { طاعة الله طاعة الوالد ، ومعصية الله معصية الوالد } .

والبزار من حديث عبد الله بن عمرو أو ابن عمر بلفظ { رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين ، وسخط الرب تبارك وتعالى في سخط الوالدين } . إلى غير ما ذكرنا من الأحاديث . .

التالي السابق


الخدمات العلمية