الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 228 ] مباحث اللغة

                                                      وإنما ذكرناها في أصول الفقه لأن معظم نظر الأصولي في دلالات الصيغ ، كالحقيقة والمجاز ، والعموم والخصوص ، وأحكام الأمر والنهي ، ودليل الخطاب ومفهومه .

                                                      فاحتاج إلى النظر في ذلك تكميلا للنظر في الأصول ، ونسمه بمقدمتين :

                                                      إحداهما : تعلم اللغة فرض كفاية .

                                                      قال أبو الحسين بن فارس : تعلم علم اللغة واجب على أهل العلم لئلا يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم عن سنن الاستقراء .

                                                      قال : وكذلك الحاجة إلى علم العربية فإن الإعراب هو الفارق بين المعاني ، ألا ترى إذا قلت : ما أحسن زيد لم تفرق بين التعجب والاستفهام والنفي إلا بالإعراب ؟ . ونازع الإمام فخر الدين في شرح المفصل " في كونهما فرض كفاية ، لأن فرض الكفاية إذا قام به واحد سقط عن الباقين .

                                                      قال : واللغة والنحو ليس كذلك ، بل يجب في كل عصر أن يقوم به قوم يبلغون حد التواتر ، لأن معرفة الشرع لا تحصل إلا بواسطة معرفة اللغة والنحو ، والعلم بهما لا يحصل إلا بالنقل المتواتر ، فإنه لو انتهى النقل فيه إلى حد الآحاد لصار الاستدلال على جملة الشرع استدلالا بخبر الواحد ، فحينئذ يصير الشرع مظنونا لا مقطوعا ، وذلك غير جائز .

                                                      الثانية : نبه الإبياري في كلام له على شيء ينبغي معرفته هنا ، وهو [ ص: 229 ] أن الأصولي إنما احتاج إلى معرفة الأوضاع اللغوية ليفهم الأحكام الشرعية وإلا فلا حاجة بالأصولي إلى معرفة ما لا يتعلق بالأحكام والألفاظ ، وإذا كان كذلك افتقرنا إلى تقديم أمر آخر ، وهو أن الشرع هل له تصرف في اللغة أم لا ؟ فإن ثبت عدم التصرف اكتفى الأصولي بمعرفة وضع اللغة ، فإن ذلك مقنع في معرفة الأحكام ، وإن ثبت تصرف الشرع اكتفى الأصولي بمعرفة وضع الشرع للاسم ولا يحتاج معه إلى معرفة اللغة في ذلك اللفظ ، وإن عرف وضع اللغة والتبس عليه هل للشرع تصرف في الاسم أم لا ؟ لم يجز له الحكم بوضع اللغة حتى يستقر له وضع الشرع ، ولهذا إن الفقهاء قل ما يتكلمون على الألفاظ باعتبار وضع اللغة ، لأنهم يرون تصرف الشرع في الأسماء فتراهم يجنحون إلى الإجماع وغيره ، وهم في ذلك على بصيرة أن عرف الشرع مكتفى به ومضاف إليه ، وعرف اللغة على هذا التقدير عند احتمال التغيير لا يفيد .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية