الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل ) ( العلم لا يحد في وجه ) قال بعضهم : لعسره ويميز بتمثيل وتقسيم . وقال بعضهم : لأنه ضروري . وقد علمت من خطبة الكتاب أني متى قلت عن شيء في وجه فالمقدم والمعتمد غيره . [ ص: 18 ] إذا تقرر هذا : فالصحيح عند أصحابنا ، والأكثر أنه يحد ، ولهم في حده عبارات . ( و ) المختار منها أن يقال : ( هو صفة يميز المتصف بها ) بين الجواهر والأجسام والأعراض ، والواجب والممكن والممتنع ( تمييزا جازما مطابقا ) أي لا يحتمل النقيض ( فلا يدخل إدراك الحواس ) لجواز غلط الحس ; لأنه قد يدرك الشيء لا على ما هو عليه كالمستدير مستويا ، والمتحرك ساكنا ونحوهما . ( ويتفاوت ) العلم على الأصح من الروايتين عن إمامنا أحمد رضي الله تعالى عنه .

قال في شرح التحرير : وهو الصحيح . وعليه الأكثر . قال ابن قاضي الجبل في أصوله : الأصح التفاوت ; فإنا نجد بالضرورة الفرق بين كون الواحد نصف الاثنين ، وبين ما علمناه من جهة التواتر ، مع كون اليقين حاصلا فيهما ( كالمعلوم ) أي كما تتفاوت المعلومات ( و ) كما يتفاوت ( الإيمان ) قال في شرح التحرير : وقال ابن مفلح في أصوله - في الكلام على الواجب - قال بعض أصحابنا - يعني به : الشيخ تقي الدين - والصواب : أن جميع الصفات المشروطة بالحياة تقبل التزايد . وعن أحمد رضي الله تعالى عنه في المعرفة الحاصلة في القلب في الإيمان : على تقبل التزايد والنقص ؟ روايتان . والصحيح من مذهبنا ومذهب جمهور أهل السنة : إمكان الزيادة في جميع ذلك . انتهى ثم اعلم أن العلم يطلق لغة وعرفا على أربعة أمور .

أحدها : إطلاقه حقيقة على ما لا يحتمل النقيض ، وتقدم . الأمر الثاني : أنه يطلق ( ويراد به مجرد الإدراك ) يعني سواء كان الإدراك ( جازما ، أو مع احتمال راجح ، أو مرجوح ، أو مساو ) على سبيل المجاز . فشمل الأربعة قوله تعالى ( { ما علمنا عليه من سوء } ) إذ المراد : نفي كل إدراك . الأمر الثالث : أنه يطلق ( و ) يراد به ( التصديق ، قطعيا ) كان التصديق ( أو ظنيا ) أما التصديق القطعي : فإطلاقه عليه حقيقة . وأمثلته كثيرة . وأما التصديق الظني : فإطلاقه عليه على سبيل المجاز . ومن أمثلته قوله تعالى ( { فإن علمتموهن مؤمنات } ) الأمر الرابع : أنه يطلق ( و ) يراد به ( معنى المعرفة ) ومن أمثلة ذلك قوله تعالى [ ص: 19 ] ( { لا تعلمهم نحن نعلمهم } ) وتطلق المعرفة ( ويراد بها ) العلم . ومنه قوله تعالى ( { مما عرفوا من الحق } ) أي علموا . ( و ) يراد العلم أيضا ( بظن ) يعني أن الظن يطلق ويراد به العلم . ومنه قوله تعالى ( { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم } ) أي يعلمون ( وهي ) أي المعرفة ( من حيث إنها علم مستحدث ، أو انكشاف بعد لبس أخص منه ) أي من العلم . لأنه يشمل غير المستحدث .

وهو علم الله تعالى . ويشمل المستحدث ، وهو علم العباد ( ومن حيث إنها يقين وظن أعم ) من العلم لاختصاصه حقيقة باليقيني . وقال جمع : إن المعرفة مرادفة للعلم . قال في شرح التحرير : فإما أن يكون مرادهم غير علم الله تعالى ، وإما أن يكون مرادهم بالمعرفة أنها تطلق على القديم ، ولا تطلق على المستحدث . والأول أولى . انتهى .

( وتطلق ) المعرفة ( على مجرد التصور ) الذي لا حكم معه ( فتقابله ) أي تقابل العلم . وقد تقدم أن العلم يطلق على مجرد التصديق الشامل لليقيني والظني .

وإذا أطلقت المعرفة على التصور المجرد عن التصديق : كانت قسيما للعلم ، أي مقابلة له . ( وعلم الله ) سبحانه وتعالى ( قديم ) لأنه صفة من صفاته ، وصفاته قديمة ( ليس ضروريا ولا نظريا ) بلا نزاع بين الأئمة ، أحاط بكل موجود ومعدوم على ما هو عليه ( ولا يوصف ) سبحانه وتعالى ( بأنه عارف ) قال ابن حمدان في نهاية المبتدئين : علم الله تعالى لا يسمى معرفة . حكاه القاضي إجماعا .

انتهى ( وعلم المخلوق محدث وهو ) قسمان : قسم ( ضروري ) وهو ما ( يعلم من غير نظر ) كتصورنا معنى النار ، وأنها حارة . ( و ) قسم ( نظري ) وهو ما لا يعلم إلا بنظر ، وهو ( عكسه ) أي عكس الضروري . وقال الأكثر : الضروري ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه ، والنظري بخلافه . ثم اعلم أن حد العلم الضروري في اللغة : الحمل على الشيء ، والإلجاء إليه . وحده في الشرع : ما لزم نفس المكلف لزوما لا يمكنه الخروج عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية