الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل في البيع الفاسد ) .

                                                                                        أي في بيان أحكام البيع الفاسد قدمنا أن فعله معصية فعليه التوبة منها بفسخه كما سيأتي ( قوله قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع ، وكل من عوضيه مال ملك المبيع بقيمته ) وقال الشافعي لا يملكه ، وإن قبضه لأنه محظور فلا تنال به نعمة الملك ، ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد ، ولهذا لا يفيده قبل القبض ، وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر بالدراهم ، ولنا أن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله فوجب القول بانعقاده ، ولا خفاء في الأهلية والمحلية ، وركنه مبادلة المال بالمال ، وفيه الكلام والنهي يقرر المشروعية عندنا لاقتضائه التصور فنفس البيع مشروع ، وبه تنال نعمة الملك إنما المحظورة ما يجاوره كما في البيع وقت النداء ، وإنما لا يثبت الملك قبل القبض كي لا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور إذ هو واجب الرفع بالاسترداد فبالامتناع عن المطالبة أولى ، ولأن السبب قد ضعف لمكان اقترابه بالقبح فيشترط اعتضاده بالقبض في إفادة الحكم بمنزلة الهبة ، والميتة ليست بمال فانعدم الركن ، ولو كان الخمر مثمنا فقد ذكرناه أول الباب ، وشيء آخر أن في الخمر الواجب هو القيمة ، وهي تصلح ثمنا لا مثمنا أشار المصنف رحمه الله تعالى بذكر القبض إلى أنه ليس مقبوضا في يده فلو كان في يده وديعة ملكه بمجرد القبول كما في فتح القدير ، وإلى أن التخلية فيه لا تكفي .

                                                                                        وصححه العمادي في الفصول ، وصحح قاضي خان في فتاواه في باب قبض المبيع أنها قبض فيه ، واختاره في الخلاصة ، وأطلقه فشمل قبض الوكيل قال في القنية التوكيل بالشراء الفاسد صحيح كالتوكيل بالشراء إلى الحصاد والدياس وقبض الوكيل للموكل فيصير مضمونا بالقيمة ا هـ .

                                                                                        وخرج ما قبل القبض فلا ملك له ، وأطلقه فشمل القبض الحكمي لما في الظهيرية لو اشترى عبدا شراء فاسدا ، ولم يقبضه فأمر البائع بإعتاقه فأعتقه صح عتقه عن المشتري لأنه بمنزلة قبض المشتري ، ولو أعتقه المشتري بنفسه لا يصح لعدم الملك ، وهذه عجيبة حيث ملك المأمور ما لم يملك الآمر ، وقيد بقوله في البيع الفاسد للاحتراز عن الباطل فإنه لا يفيده ، ولكن ليس كل فاسد يملك بالقبض فقد كتبنا في الفوائد الفقهية أن بيع الهازل لا يملك بالقبض كما ذكره البزدوي في الأصول ، وأن الأب إذا اشترى من ماله لابنه الصغير فاسد أو باع كذلك فالقبض لا يكفي ، ولا يملكه إلا بقبضه واستعماله كذا في المحيط .

                                                                                        ثم رأيت في القنية أن بيع التلجئة باطل فحينئذ لا يرد على [ ص: 100 ] المصنف لأن كلامه في الفاسد ، وفي آخر القنية من الوصايا باع الوصي مال اليتيم بغبن فاحش فهو باطل لا يملك بالقبض ثم رقم آخر بل هو فاسد ا هـ .

                                                                                        أقول : ينبغي لأن يجري القولان في بيع الوقف المشروط استبداله أو الخراب الذي جاز استبداله إذا بيع بغبن فاحش وينبغي ترجيح الثاني فيهما لأنه إذا ملك بالقبض وجبت قيمته فلا ضرر على اليتيم والوقف ، وقيد بأمر البائع أي بإذنه لأنه بلا إذنه لا يفيد الملك ، وإنما ذكر ، والإذن دون الرضا لأنه لا يشترط في بعض أفراده كبيع المكره كما لا يخفى ، وأطلقه فشمل الإذن صريحا أو دلالة فسكوته عند قبض المشتري في المجلس إذن دلالة لكون البيع تسليطا منه على القبض إذ مراده أن يملكه المشتري بخلاف البيع الصحيح فإن الإيجاب ليس بتسليط لأن الملك حصل بدونه ، وأما إذا تفرقا عن المجلس فلا بد من إذن صريح إلا إذا قبض البائع الثمن ، وهو مما يملك به فإنه يكون إذنا بالقبض دلالة ، وفي السراج الوهاج ، ولو أمر المشتري البائع أن يعمل في المبيع عملا ينقصه أو لا ينقصه كالقصارة والغسل بأجرة أو بغير أجرة فما كان ينقصه فهو قبض ، وما لا فلا ، وللبائع الأجرة في الوجهين هلك المبيع أو لا . ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين لو برا فخلطه البائع بطعام المشتري بأمره قبل قبضه صار قابضا وعليه مثله ا هـ .

                                                                                        وقيد بقوله وكل من عوضيه مال ليخرج البيع بالميتة ، وكل بيع باطل كالبيع مع نفي الثمن فإنه باطل ، ومع السكوت عنه فاسد يملك المبيع بالقبض ، ولا شك أن الباطل خرج أولا بقوله في البيع الفاسد فلا حاجة إلى إخراجه ثانيا اللهم إلا أن يقال إن بعض البيوع الباطلة أطلقوا عليها اسم الفاسد فربما يتوهم أن المبيع فيها يملك بالقبض فصرح بما يخرجها فإذا باع عرضا بخمر أو بمدبر أو أم ولد ملك العرض بالقبض لا ما قابله مع أن بعضهم أطلق على بيع الخمر والمدبر وأم الولد الفساد ، ولكن كان ينبغي أن يقول مال متقوم ، وذكر في إيضاح الإصلاح أنه لا حاجة إلى هذا القيد لأن فساد البيع لا يوجد بدون هذا الشرط لا يقال إنه يوجد بدونه فيما إذا باع ، وسكت عن ذكر الثمن لأن أحد العوضين حينئذ القيمة ، وهي مذكورة حكما كما صرح به في الذخيرة على أن الشرط وجود المالية في العوضين ا هـ .

                                                                                        كما قيده به في الجوهرة ، وفي قوله ملك البيع رد على من قال إنه إنما يملك التصرف دون العين ، وهم العراقيون .

                                                                                        وما ذكره قول أهل بلخ ، وهو المنصوص عليه في كلام محمد ، وهو الصحيح المختار فإنه قال إن المشتري خصم لمن يدعيه لأنه يملك رقبته كذا في جامع الفصولين بدليل أن المشتري إذا أعتقه بعد قبضه صح ، وكان الولاء له ، ولو باعه كان الثمن له ، ولو بيعت دار إلى جنبها فالشفعة للمشتري ، ولو أعتقه البائع لم يعتق ، ولو سرقه البائع من المشتري بعد قبضه قطع كما في الجوهرة فهذه كلها ثمرات الملك ، وبدليل وجوب الاستبراء [ ص: 101 ] على البائع إذا ردت الجارية عليه ، ولولا خروجها عن ملكه لم تجب ، وقولهم إنه يملك التصرف فقط بتسليط البائع منقوض بما إذا كان البائع وصي يتيم باع عبده فاسدا فأعتقه المشتري فإنه يصح ، ولو كان على وجه التسليط لم يصح كذا في جامع الفصولين ، وأما ما استدل به العراقيون من عدم حل أكله لو كان طعاما ، وعدم حل لبسه لو كان قميصا ، وعدم حل وطئها لو كانت جارية ، واستبرأها ، ولو وطئها وجب العقر إذا فسخ ، وعدم وجوب الشفعة لشفيعها فلا دليل فيه لأن عدم الحل لا يدل على عدم الملك بدليل أن ربح ما لم يضمن مملوك ، ولا يحل ، والأخت رضاعا إذا ملكها لا يحل وطؤها ، وإنما لم تجب الشفعة لأن حق البائع لم ينقطع عنها ، وهي إنما تجب بانقطاع حقه لا بملك المشتري بدليل أن من أقر ببيع داره ، وجحد المشتري وجبت الشفعة .

                                                                                        هذا وقد ذكر العمادي في فصوله خلافا في حرمة وطئها فقيل يكره ، ولا يحرم ، وقيل يحرم ، وفيه إشارة أيضا إلى أن البائع يملك الثمن بشرط قبضه لأنه كالمبيع كما في القنية ، وفي جامع الفصولين حبلت منه صارت أم ولده ، وعليه قيمتها لا عقرها ، وقيل عليه عقرها ، وقيمتها ، وقيل يجوز للمشتري كل تصرف تجري فيه الإباحة ، وإلا فلا ، ولم تحل المباشرة كعصير وقعت فيه فأرة يحل بيعه لا مباشرته نحو أكله . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية إعتاق البائع المبيع بعد قبض المشتري بغير حضرته باطل ، وبحضرته صحيح ، ويكون فسخا . ا هـ .

                                                                                        وهو تخصيص لقولهم إن إعتاقه باطل ، وفي الظهيرية من باب نكاح العبد والأمة باع جارية بيعا فاسدا ، وقبضها المشتري ثم تزوجها البائع لم يجز . ا هـ .

                                                                                        ولو لم يقبضها المشتري فزوجها البائع للمشتري يصح كذا في القنية ا هـ .

                                                                                        أقول : يشكل حينئذ ما نقلناه عن الجوهرة من قطع يده بسرقة المبيع فإن القطع يقتضي أن لا ملك له فيه ، ولا شبهة ، وقولهم بعدم صحة نكاحها للبائع يقتضي بقاء ملكه أو شبهته فينبغي أن لا يقطع البائع للشبهة ، وقد ذكره في السراج الوهاج أيضا ، ولم أر لغير الحدادي .

                                                                                        والظاهر أنه قاله تفقها من عنده لا على أنه نقل المذهب فإنه قال : ومن فوائد قوله ملكه أنه لو سرقه البائع بعد قبض المشتري قطع به ، والله أعلم بالصواب ، وقيد الملك للمشتري في فتح القدير بأن لا يكون فيه خيار شرط لأنه يمنع الملك في الصحيح فكذا في الفاسد ، وفي جامع الفصولين يثبت فيه خيار الشرط والرؤية ، والمراد بالقيمة في كلام المصنف بدل المبيع ليشمل ما إذا كان مثليا فإنه يملكه بمثله ، والقيمة إنما هي في القيمي ، والقول فيهما للمشتري مع يمينه لكونه منكرا للضمان ، والبينة للبائع كذا في الجوهرة ، ولما رتب القيمة على القبض دل على أن مراده ملكه بقيمته يوم قبضه ، ولو ازدادت قيمته في يده فأتلفه لم يتغير كالغصب ، وقال محمد رحمه الله تعالى قيمته يوم أتلفه لأنه بالإتلاف يتقرر كذا في الكافي ، ولكن قال في جامع الفصولين لو قال البائع أبرأتك عن القن ثم مات عند المشتري برئ إذ القيمة تجب بهلاك المبيع فقبله لا يصح الإبراء أما لو أبرأه عن القن فقد أخرجه عن كونه مضمونا ، وعلى هذا لو أبرأ الغاصب عن القيمة حال قيام المغصوب لم يصح ، ولو أبرأه عن المغصوب صح ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا لا تجب القيمة إلا إذا تعذر رده على البائع بموت أو غيره ، وفي السراج الوهاج ، وهذا ظاهر نصوص الأصحاب ، وفي بعض الحواشي إنما تجب القيمة إذا هلك ا هـ .

                                                                                        وأما إيداع المشتري من البائع فغير صحيح قال في القنية قبض الكرباس في البيع الفاسد بأمره ، وقطعه ثم أودعه البائع ، وهلك في يده هلك منه ، وعلى المشتري نقصان القطع ، وفيها ، وكل مبيع ببيع فاسد رده المشتري على البائع بهبة أو صدقة أو بيع أو بوجه من الوجوه كالوديعة والإجارة والإعارة والغصب والشراء ، ووقع في يد البائع فهو متاركة للبيع ، وبرئ المشتري من ضمانه . ا هـ .

                                                                                        وكذا لو اشتراه وكيل البائع برئ المشتري إذا سلمه إليه ، وكذا لو رده [ ص: 102 ] إلى البائع برهن ، وكذا في بيع موقوف بأن غصب قنا فباعه من رجل ثم شراه غاصبه بأقل مما باع يكون فسخا للبيع الأول ، والزيادة للمشتري لا لغاصبه ، ولا لمالكه ، وعن محمد شراه بدراهم فاسدا ثم باعه بدنانير من بائعه يكون فسخا إذا قبض لا قبله كذا في جامع الفصولين ثم قال الأصل أن المستحق بجهة إذا وصل إلى المستحق بجهة أخرى إنما يعتبر ، واصلا بجهة مستحقة لو وصل إليه من المستحقين عليه أما إذا وصل من جهة غيره فلا حتى أن المشتري فاسدا إذا وهب المشتري من غير بائعه أو باعه فوهبه ذلك الرجل من البائع الأول ، وسلمه لا يبرأ المشتري عن قيمته ، ولم تعتبر العين ، واصلا إلى البائع بالجهة المستحقة لما وصل من جهة أخرى ، والمهر لو عينا فوهبته من غير زوجها ، وهو وهبه من زوجها ثم طلقها قبل الدخول فلزوجها نصف قيمة العين عليها ، ولو وهبته من زوجها لا يرجع عليها بشيء ا هـ .

                                                                                        [ ص: 99 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 99 ] فصل في بيان أحكام البيع الفاسد ) .

                                                                                        ( قوله فلو كان في يده وديعة إلخ ) عبارة الفتح ، وفي جمع التفاريق لو كان وديعة عنده ، وهي حاضرة ملكها قال في النهر ، وأقول : يجب أن يكون ما في جمع التفاريق مخرجا على أن التخلية قبض ، ولذا قيده بكونها حاضرة ، وإلا فقد مر أن قبض الأمانة لا ينوب عن قبض المبيع فتنبه لهذا ( قوله وهذه عجيبة إلخ ) قد مر في أمر الذمي ببيع الخمر والخنزير نظيرها ( قوله وأن الأب إذا اشترى من ماله لابنه الصغير فاسدا ) صواب العبارة إذا اشترى من مال ابنه الصغير لنفسه فاسدا أو باع من ماله لابنه كذلك قال في النهر ، وفي المحيط باع عبدا من ابنه الصغير فاسدا أو اشترى عبده لنفسه فاسدا لا يثبت الملك حتى يقبضه ، ويستعمله ا هـ .

                                                                                        ( قوله ثم رأيت في القنية أن بيع التلجئة باطل ) قال الرملي ما ذكر في القنية مشكل لأن كلا من عوضي بيع الهازل مال فكيف يكون باطلا ، وقد صرح في عامة كتب الأصول ، والفروع أنه ينعقد فاسدا لا يفيد الملك بالقبض ، وممن صرح بذلك ابن مالك في شرح المجمع ، ومن ثم صرحوا أن بيع المكره يقع فاسدا لكنه ينقض تصرف المشتري منه لعدم الرضا فعلى هذا يكون معنى قول صاحب القنية إن بيع التلجئة باطل أي يشبه الباطل في عدم إفادته الملك فعلى هذا يكون الفاسد على نوعين نوع يفيد الملك ، ونوع لا يفيده .

                                                                                        ثم رأيت في قاضي خان التصريح ببطلانه حيث قال فإن اختلفا فادعى أحدهما أن البيع تلجئة ، والآخر ينكر التلجئة لا يقبل قول مدعي التلجئة إلا ببينة ، ويستحلف الآخر ، وصورة التلجئة في البيع أن يقول الرجل إني أبيع داري منك بكذا ، وليس ذلك ببيع في الحقيقة بل هو تلجئة ، ويشهد على ذلك ثم يبيع في الظاهر من غير شرط فهذا البيع يكون باطلا بمنزلة بيع الهازل ، وعن محمد رحمه الله تعالى بيع التلجئة إذا قبض المشتري العبد أو أعتقه لا ينفذ إعتاقه ، ولا يشبه المشترى من المكره لأنه في الحكم بمنزلة البيع بشرط الخيار لهما ا هـ .

                                                                                        من الغزي ، وفي قاضي خان أيضا ، وذكر في إقرار الأصل أن [ ص: 100 ] بيع الهازل باطل . ا هـ .

                                                                                        ويمكن أن يجاب عن إشكاله بأنه ، وإن كان كل من عوضيه مالا لكن ليس ببيع حقيقة لعدم الاعتداد بما ذكرا من الإيجاب ، والقبول مع الهزل فكأنهما لم يوجدا ، وإنما جاز إذا جعلاه جائزا بعد ذلك بطريق جعله إنشاء ، وإنما كان القول لمدعي الهزل لأنه ينكر وجود البيع ، ولا إشكال في ذلك على هذا القول لأن القول قول مدعي البطلان لكن ذكروا في التلجئة أنه لا يقبل قول مدعيها فهو مشكل لأنه يدعي البطلان ، وقالوا فيه إنه هزل فما الفرق بين التلجئة والهزل في ذلك فتأمل ا هـ . ملخصا .

                                                                                        وقوله لأن القول قول مدعي البطلان أي لو اختلفا فيه ، وفي الصحة أما لو اختلفا في الصحة والفساد فالمختار أن القول لمدعي الفساد كما في شرح المجمع ( قوله لأن الملك حصل بدونه ) أي بدون القبض ، والأولى لأن الملك حصل به أي بالإيجاب ( قوله اللهم إلا أن يقال إن بعض البيوع إلخ ) قال في النهر وأقول : هذا مما لا حاجة إليه بل الفاسد أعم على ما التزموه في أول الباب ، وحينئذ فلا بد من التصريح بهذا العقد لإخراج الباطل ، وهذا مما يجب أن يفهم من كلامهم في هذا المقام ، ومن تأمل ما في الهداية وغيرها وجده كالصريح به ثم رأيته في الحواشي السعدية قال في قول صاحب الهداية شرط أن يكون العوضان كل منهما مال ليتحقق ركن البيع يعني ليظهر تحققه فإن الفاسد قد يستعمل في المعنى العام للباطل أيضا ، وهذا طبق ما فهمته فتنبه له ، وعلى هذا فقول الشارح أي الزيلعي إن قوله في البيع الفاسد احتراز عن الباطل مما لا ينبغي إذ الباطل إنما خرج بقوله ، وكل من عوضيه مال كما قد علمت . ا هـ . وتعقبه الحموي بأن من أفراد الباطل ما لا يخرج بهذا القيد ، وهو بيع الخمر والخنزير بالدراهم فإنه باطل مع أن كلا من عوضيه مال ، وعلى هذا فلا بد من حذف هذا القيد لاقتضائه أن هذا الفرد من الباطل يكون فاسدا يملك بالقبض ، وليس كذلك ا هـ .

                                                                                        قلت : وقد يدفع بأنهما ليسا مالا مطلقا فإن الشرع أسقط ماليتهما [ ص: 101 ]

                                                                                        ( قوله ولكن قال في جامع الفصولين لو قال إلخ ) أسقط منه ما يتوقف عليه فهم الحكم ، ونص عبارته هكذا ، ولو قنا فتقابضا ثم أبرأه بائعه عن قيمته ، ثم مات القن يلزم قيمته ولو قال أبرأتك عن القن إلى آخره ( قوله وفي بعض الحواشي إنما تجب قيمته إذا هلك ) قال الرملي لا يذهب عليك أن مرادهم بالهلاك هنا الهلاك حقيقة أو ما في معناه من تعذر الرد ، وإلا يلزم الإصرار بالبائع حيث تعذر الرد لأنه لم يهلك حقيقة فلا تجب عليه قيمته ، ولا يجوز رده مع التعذر ، وأمره بالتربص إلى الهلاك مناف للشرع فتعين القول بوجوب القيمة عند تعذر الرد إما بالهلاك أو غيره كما هو ظاهر من كلامهم تأمل




                                                                                        الخدمات العلمية