الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

( وإذا أراد الشروع في الصلاة كبر ) لو قادرا ( للافتتاح ) أي قال وجوبا الله أكبر [ ص: 480 ] ولا يصير شارعا بالمبتدأ فقط ك ( الله ) ولا ب ( أكبر ) فقط هو المختار ، فلو قال الله مع الإمام وأكبر قبله أو أدرك الإمام راكعا فقال الله قائما وأكبر راكعا لم يصح في الأصح ; كما لو فرغ من ( الله ) قبل الإمام ; ولو ذكر الاسم بلا صفة صح عند الإمام خلافا لمحمد ( بالحذف ) إذ مد أحد الهمزتين مفسد ، وتعمده كفر وكذا الباء في الأصح . ويشترط كونه ( قائما ) فلو وجد الإمام راكعا فكبر منحنيا ، إن إلى القيام أقرب صح [ ص: 481 ] ولغت نية تكبيرة الركوع . .

التالي السابق


فصل أي في بيان تأليف الصلاة إلى انتهائها على الوجه المتوارث من غير تعرض غالبا لوصف أفعالها بفريضة أو غيرها للعلم به مما مر ( قوله لو قادرا ) سيأتي محترزه في قوله ويلزم العاجز إلخ ( قوله للافتتاح ) فلو قصد الإعلام فقط لم يصر شارعا كما قدمناه ، ويأتي تمامه ( قوله أي قال وجوبا الله أكبر ) قال في الحلية عند قول المنية : ولا دخول [ ص: 480 ] في الصلاة إلا بتكبيرة الافتتاح ، وهي قوله : الله أكبر ، أو الله الأكبر ، أو الله الكبير ، أو الله كبير إلخ ، وعين مالك الأول لأنه المتوارث . وأجيب بأنه يفيد السنية أو الوجوب ونحن نقول به ، فإن الأصح أنه يكره الافتتاح بغير الله أكبر عند أبي حنيفة كما في التحفة والذخيرة والنهاية وغيرها وتمامه في الحلية ; وعليه فلو افتتح بأحد الألفاظ الأخيرة لا يحصل الواجب فافهم ( قوله ولا يصير شارعا بالمبتدأ ) لأن الشرط الإتيان بجملة تامة كما مر في النظم . ولا يخفى أن الإتيان بالواو أحسن من الفاء التفريعية لأن ما قبله بيان للواجب وهذا بيان للشرط فلا يصح التفريع فافهم ( قوله هو المختار ) وهو قول محمد وظاهر الرواية عن أبي حنيفة ، وكذا قول أبي يوسف لما الخمسة ح ( قوله فلو قال إلخ ) بيان لثمرة الخلاف وتفريع على المختار ( قوله قبله ) أي قبل فراغه ح ( قوله قائما ) أي حقيقة وهو الانتصاب ، أو حكما وهو الانحناء القليل بأن لا تنال يداه ركبتيه ح ( قوله في الأصح ) أي بناء على ظاهر الرواية وأفاد أنه كما لا يصح اقتداؤه لا يصير شارعا في صلاة نفسه أيضا وهو الأصح كما في النهر عن السراج .

( قوله قبل الإمام ) أي قبل شروعه ( قوله ولو ذكر الاسم ) مكرر بما قبله فإن المراد بالصفة الخبر ومع ذلك هو ضعيف مبني على غير ظاهر الرواية أفاده ح ( قوله إذ مد أحد الهمزتين مفسد إلخ ) اعلم أن المد إن كان في الله ، فإما في أوله أو وسطه أو آخره ، فإن كان في أوله لم يصر به شارعا وأفسد الصلاة لو في أثنائها ، ولا يكفر إن كان جاهلا لأنه جازم والإكفار للشك في مضمون الجملة ; وإن كان في وسطه ، فإن بالغ حتى حدث ألف ثانية بين اللام والهاء كره ، قيل والمختار أنها لا تفسد ، وليس ببعيد وإن كان في آخره فهو خطأ ولا يفسد أيضا وقياس عدم الفساد فيهما صحة الشروع بهما ; وإن كان المد في أكبر ، فإن في أوله فهو خطأ مفسد ، وإن تعمده قيل يكفر للشك ، وقيل لا . ولا ينبغي أن يختلف في أنه لا يصح الشروع به ، وإن في وسطه أفسد ، ولا يصح الشروع به . وقال الصدر الشهيد : يصح ، وينبغي تقييده بما إذا لم يقصد به المخالفة كما نبه عليه محمد بن مقاتل . وفي المبتغى : لا يفسد لأنه إشباع وهو لغة قوم ، وقيل يفسد لأن ( أكبار ) اسم ولد إبليس . ا هـ . ; فإن ثبت أنه لغة فالوجه الصحة ; وإن في آخره فقد قيل يفسد الصلاة وقياسه أن لا يصح الشروع به أيضا كذا في الحلية ملخصا .

وتمام أبحاث هذه المسألة في البحر والنهر عند قوله وكبر بلا مد وركع . أقول : وينبغي الفساد بمد الهاء لأنه يصير جمع لاه كما صرح به بعض الشافعية ، تأمل ( قوله وتعمده ) أي تعمد مد الهمزة من لفظ الجلالة أو أكبر كفر لكونه استفهاما يقتضي أن لا يثبت عنده كبرياء الله تعالى وعظمته ، كذا في الكفاية . والأحسن قول المبسوط خيف عليه الكفر إن كان قاصدا ، على أن الأكمل اعترضهم في العناية بأنه يجوز أن تكون للتقرير فلا كفر ولا فساد . لكن يجاب بأن قصد التقرير لا يدفع الفساد ، لما في شرح المنية من أن الإنسان لا يصلح أن يقرر نفسه ، وإن قرر غيره لزم الفساد لأنه خطاب . ا هـ . وعلى هذا فينبغي أن يقال إن تعمد المد لا يكفر إلا إذا قصد به الشك لانتفاء احتمال التقرير . وأما الفساد وعدم صحة الشروع فثابتان وإن لم يتعمد المد أو الشك لأنه تلفظ بمحتمل للكفر فصار خطأ شرعا ، ولهذا قال في الحلية إن مناط الفساد ذكر الصورة الاستفهامية فلا يفترق الحال بين كونه عالما بمعناها أو لا بدليل الفساد بكلام النائم ( قوله وكذا الباء في الأصح ) صححه في شرح المنية ( قوله قائما ) أي في الفرض مع القدرة على القيام ح .

( قوله إن إلى القيام أقرب ) بأن لا تنال يداه ركبتيه كما مر . [ ص: 481 ]

وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الحجة : إذا كبر في التطوع حالة الركوع للافتتاح لا يجوز ، وإن كان التطوع يجوز قاعدا . ا هـ .

قلت : والفرق بينه وبين ما لو كبر للتطوع قاعدا أن القعود الجائز خلف عن القيام من كل وجه ، أما الركوع فله حكم القيام من وجه دون وجه ولذا لو قرأ فيه لم يجز تأمل .

( قوله ولغت نية تكبيرة الركوع ) أي لو نوى بهذه التكبيرة الركوع ولم ينو تكبيرة الافتتاح لغت نيته وانصرفت إلى تكبيرة الافتتاح لأنه لما قصد بها الذكر الخالص دون شيء خارج عن الصلاة وكانت التحريمة هي المفروضة عليه لكونها شرطا انصرفت إلى الفرض لأن المحل له وهو أقوى من النفل ; كما لو نوى بقراءة الفاتحة الذكر والثناء كما لو طاف للركن جنبا وللصدر طاهرا انصرف الثاني إلى الركن ، بخلاف ما إذا قصد بالتكبيرة الإعلام فقط فإنه لا يكون قاصدا للذكر ، فصار كلاما أجنبيا عن الصلاة فلا يصح شروعه كما مر




الخدمات العلمية