الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 349 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوصايا 1751 - مسألة : الوصية فرض على كل من ترك مالا ، لما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة } قال ابن عمر : ما مرت علي ليلة مذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي .

                                                                                                                                                                                          وروينا إيجاب الوصية من طريق ابن المبارك عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر من قوله .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عبيد الله قال : كان طلحة ، والزبير يشددان في الوصية - وهو قول عبد الله بن أبي أوفى ، وطلحة بن مطرف ، وطاوس ، والشعبي ، وغيرهم - وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا . [ ص: 350 ] وقال قوم : ليست فرضا ، واحتجوا : بأن هذا الخبر رواه يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه { له شيء يريد أن يوصي فيه } .

                                                                                                                                                                                          قالوا : فرد الأمر إلى إرادته ؟ وقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص ، ورووا : أن ابن عمر - وهو راوي الخبر - لم يوص ، وأن حاطب بن أبي بلتعة بحضرة عمر لم يوص ، وأن ابن عباس قال فيمن ترك ثمانمائة درهم : قليل ، ليس فيها وصية ، وأن عليا نهى من لم يترك إلا من السبعمائة إلى التسعمائة عن الوصية ، وأن عائشة أم المؤمنين قالت فيمن ترك أربعمائة دينار : في هذا فضل عن ولده .

                                                                                                                                                                                          وعن النخعي ليست الوصية فرضا .

                                                                                                                                                                                          وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : كل هذا لا حجة لهم في شيء منه - : أما من زاد في روايته " يريد أن يوصي " فإن مالك بن أنس رواه كما أوردنا بغير هذا اللفظ ، لكن بلفظ الإيجاب فقط .

                                                                                                                                                                                          ورواه عبد الله بن نمير ، وعبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، كما رواه مالك .

                                                                                                                                                                                          ورواه يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر كما رواه مالك .

                                                                                                                                                                                          ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك ، ويونس عن نافع - وكلا الروايتين صحيح .

                                                                                                                                                                                          فإذ هما صحيحان فقد وجبت الوصية برواية مالك ، ووجب عليه أن يريدها ولا بد - وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 351 ] وأما قولهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص فقد كانت تقدمت وصيته بجميع ما ترك بقوله الثابت يقينا { إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة } وهذه وصية صحيحة بلا شك ، لأنه أوصى بصدقة كل ما يترك إذا مات ، وإنما صح الأثر بنفي الوصية التي تدعيها الرافضة إلى علي فقط .

                                                                                                                                                                                          وأما ما رووا من أن ابن عمر لم يوص ، فباطل ; لأن هذا إنما روي من طريق أشهل بن حاتم - وهو ضعيف - .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن لهيعة - وهو لا شيء - والثابت عنه ما رواه مالك عن نافع من إيجابه الوصية ، وأنه لم يبت ليلته مذ سمع هذا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم إلا ووصيته عنده مكتوبة .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث حاطب وعمر : فمن رواية ابن لهيعة ، وهي أسقط من أن يشتغل بها .

                                                                                                                                                                                          وأما خبر ابن عباس : ففيه ليث بن أبي سليم - وهو ضعيف - .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث علي فإنه حد القليل بما بين السبعمائة إلى التسعمائة وهم لا يقولون بهذا - وليس في حديث أم المؤمنين بيان بما ادعوا .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح كل ذلك لما كانت فيه حجة ; لأنه قد عارضهم صحابة ، كما أوردنا ، وإذا وقع التنازع لم يكن قول طائفة أولى من قول أخرى ، والفرض حينئذ هو الرجوع إلى القرآن والسنة ، وكلاهما يوجب فرض الوصية ، أما السنة : فكما أوردنا ، وأما القرآن : فكما نورد - إن شاء الله تعالى ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية