الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( باب صفة الصلاة )

                                                                                                                      وبيان ما يكره فيها وأركانها وواجباتها وسننها وما يتعلق بذلك ( يسن أن يقوم إمام ) عند قول المؤذن : قد قامت الصلاة ( فمأموم غير مقيم إلى الصلاة ) يقوم ( عند قول المؤذن : قد قامت الصلاة ) كذا في الكافي وغيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يفعل ذلك " رواه ابن أبي أوفى ولأنه دعاء إلى الصلاة فاستحبت المبادرة إليها قال ابن المنذر أجمع على هذا أهل الحرمين .

                                                                                                                      وإنما استثني المقيم لأنه يأتي بالإقامة كلها قائما كالأذان ومحل استحباب قيام المأموم عند قوله : قد قامت الصلاة ( إن كان الإمام في المسجد ، ولو لم يره المأموم ) قاله الموفق .

                                                                                                                      وفي الشرح : إن كان في المسجد ، أو قريبا منه قاموا قبل رؤيته ، وإلا فلا .

                                                                                                                      وفي الإنصاف وجزم بمعناه في المنتهى والصحيح من المذهب أن المأموم لا يقوم حتى يرى الإمام ، وعليه جمهور الأصحاب .

                                                                                                                      وقدمه في الفروع وغيره ، وصححه المجد وغيره ا هـ لقول أبي قتادة : { قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت } رواه مسلم ، والمراد بالقيام إليها هو التوجه إليها ، ليشمل جلوس العاجز عنه ولا يحرم الإمام حتى تفرغ الإقامة نص عليه .

                                                                                                                      وهو قول جل أئمة الأمصار ( وإن كان ) الإمام ( في غيره ) أي : المسجد ( ولم يعلم قربه لم يقم حتى يراه ) للخبر وتقدم ما فيه ( وليس بين الإقامة والتكبير دعاء مسنون نصا ) [ ص: 328 ] قيل لأحمد : قبل التكبير تقول شيئا ؟ قال : لا ، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولأن الدعاء يكون بعد العبادة لقوله تعالى { فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب } ومن هنا تعلم أن قولهم في باب الأذان : ويدعو عند إقامة أي : قبلها قريبا ، لا بعدها ، جمعا بين الكلامين ( وإن دعا ) بين الإقامة والتكبير ( فلا بأس ) به ، إذ لا محذور فيه ( فعله ) الإمام ( أحمد ورفع يديه ) حكاه في الفروع والمبدع في الأذان بعده .

                                                                                                                      ومقتضاه أن المقدم خلافه ، كما هو اصطلاح صاحب الفروع ( ثم يسوي ) أي : يأمر بدليل ما بعده ( الإمام الصفوف ندبا بمحاذاة المناكب والأكعب دون أطراف الأصابع فيلتفت ) الإمام ( عن يمينه قائلا : اعتدلوا وسووا صفوفكم .

                                                                                                                      وفي المغني وغيره ) وتبعه في شرح المنتهى : ( يقول استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك ) .

                                                                                                                      وفي الرعاية " اعتدلوا رحمكم الله " وذلك لما روى محمد بن مسلم قال { : صليت إلى جانب أنس بن مالك يوما فقال : هل تدري لم صنع هذا العود ؟ فقلت : لا والله فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ، فقال : اعتدلوا وسووا صفوفكم ثم أخذه بيساره ، وقال : اعتدلوا وسووا صفوفكم } رواه أبو داود و ( لأن تسوية الصف من تمام الصلاة ) للخبر متفق عليه ، من حديث أنس .

                                                                                                                      ( قال ) الإمام ( أحمد ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام ) أي موقفه ، لحديث أبي هريرة قال { كانت الصلاة لتقام للرسول صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه } رواه مسلم .

                                                                                                                      ( ويسن تكميل الصف الأول فالأول ) أي الذي يليه وهكذا حتى ينتهوا لما تقدم من حديث { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا على ذلك لاستهموا عليه } وظاهره : حتى بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت الصلاة في محراب زيادة عثمان .

                                                                                                                      ( و ) يسن ( تراص المأمومين ، وسد خلل الصفوف ) لتشبه صفوف المجاهدين ( فلو ترك القادر ) الصف ( الأول فالأول كره ) له ذلك قال في الإنصاف على الصحيح من المذهب وهو المشهور أيضا ( والصف الأول ) للرجال أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم " لتكونوا في الذي يليني " ( وهو ) أي : الصف الأول : ( ما يقطعه المنبر ) .

                                                                                                                      قال في الإنصاف : على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ا هـ والمراد : أنه أول صف يلي الإمام قطعه المنبر أولا ( لا ما يليه ) أي : لا أول صف يلي المنبر ( ويمنة كل [ ص: 329 ] صف للرجال أفضل ) من يسرته ، أي : صلاة المأمومين من جهة يمين الإمام أفضل من صلاتهم جهة يساره ، إذا كانوا رجالا ( وظاهر كلامهم ) حيث أطلقوا أن يمينه للرجال أفضل ( أن الأبعد عن اليمين أفضل ممن على اليسار ، ولو كان ) من على اليسار ( أقرب ) إلى الإمام ، لإطلاقهم أن يمينه للرجال أفضل .

                                                                                                                      ( قال ) قاضي القضاة أحمد محب الدين بن نصر الله البغدادي ( في شرح الفروع ) أي : شرحه لباب صفة الصلاة من كتاب الفروع ( وهو أقوى عندي انتهى ) قال في الفروع : ( وظاهر كلامهم يحافظ على الصف الأول وإن فاتته ركعة ) أي بسبب مشيه إلى الصف الأول : ويتوجه من نصه يسرع إلى الأول للمحافظة عليها ( لا إن خاف فوت الجماعة ) .

                                                                                                                      قال في الفروع : والمراد من كلامهم إذا لم تفته الجماعة مطلقا ، وإلا حافظ عليها ، فيسرع لها ، وقال في النكت : لا يبعد القول بالمحافظة على الركعة الأخيرة ، وإن كان غيرها مشى إلى الصف الأول وقد يقال : يحافظ على الركعة الأولى والأخيرة ولهذا قلنا : لا يسعى إذا أتى الصلاة للخبر المشهور قال الإمام أحمد فإن أدرك ، أي : طمع أن يدرك التكبيرة الأولى فلا بأس أن تسرع ، ما لم تكن عجلة تقبح قال : وقد ظهر مما تقدم أنه يعجل لإدراك الركعة الأخيرة لكن هل تقيد المسألتان بتعذر الجماعة ؟ فيه تردد ( وكل ما قرب من الإمام فهو أفضل وكذا أقرب الأفضل ) من الإمام أفضل لحديث { ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى } .

                                                                                                                      ( و ) كذا قرب ( الصف منه ) أي : من الإمام ، وكذا قرب الصفوف بعضها من بعض ( والأفضل : تأخير المفضول ، كالصبي لا البالغ ) ولو عبده وولده ( والصلاة مكانه ) أي : مكان الصبي لأن .

                                                                                                                      أبيا نحى قيس بن عبادة وقام مكانه ، فلما صلى قال : يا بني لا يسوءك الله فإني لم آتك الذي أتيت بجهالة ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا : { كونوا في الصف الذي يليني } ، وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك " إسناده جيد رواه أحمد والنسائي .

                                                                                                                      قال في شرح المنتهى : وهذا لا يدل على أنه ينحيه من مكانه فهو رأي صحابي ، مع أنه في الصحابة مع التابعين ( وخير صفوف الرجال : أولها وشرها آخرها عكس صفوف النساء ) فخيرها آخرها وشرها أولها للخبر والمراد : إذا صلين مع الرجال وإلا فكالرجال قال ابن هبيرة وله ، أي : الصف الأول : ثوابه وثواب من ورائه ما اتصلت الصفوف لاقتدائهم به .

                                                                                                                      ( ويسن تأخيرهن ) أي : النساء خلف صفوف الرجال : لقوله صلى الله عليه وسلم { أخروهن من حيث أخرهن الله } ( فتكره صلاة رجل بين يديه امرأة تصلي ) لما تقدم من الخبر ( وإلا ) [ ص: 330 ] أي : وإن لم تكن تصلي ( فلا ) كراهة ، لما تقدم من حديث عائشة في نواقض الوضوء ( ثم يقول ) الإمام ثم المأموم ، وكذا المنفرد ( وهو قائم مع القدرة ) على القيام وعدم ما يسقطه مما يأتي ، وتقدم بعضه ( في الفرض : الله أكبر مرتبا ) متواليا وجوبا ( لا يجزئه غيرها ) لحديث أبي حميد الساعدي .

                                                                                                                      قال { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة استقبل القبلة ورفع يديه ، وقال الله أكبر } ورواه ابن ماجه وصححه ابن حبان .

                                                                                                                      وحديث علي يرفعه قال { مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم } رواه أحمد وأبو داود والترمذي .

                                                                                                                      وروي مرسلا قال الترمذي : هذا أصح شيء في هذا الباب والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته { إذا قمت فكبر } متفق عليه ولم ينقل أنه كان يستفتحها بغير ذلك فلا تنعقد بقول ، " الله أكبر ، أو الكبير ، أو الجليل ، ولا بالله أقبر : بالقاف ، ولا " الله " فقط ولا أكبر الله ( فإن أتمه ) أي : التكبير ( قائما ) بأن ابتدأه قبل أن يقوم وأتمه قائما ( أو ) ابتدأه قائما وأتمه ( راكعا أو أتى به ) أي : التكبير ( كله راكعا أو قاعدا في غير فرض صحت ) صلاته لأن القيام ليس ركنا في النافلة ( وأدرك الركعة ) لما يأتي من أن من أدرك الركوع مع الإمام أدرك الركعة .

                                                                                                                      ( و ) إن أتم التكبير قائما أو راكعا أو أتى به كله راكعا أو قاعدا ( فيه ) أي : في الفرض ( تصح ) صلاته ( نفلا إن اتسع الوقت ) لإتمام النفل : ولفعل صلاة الفرض كلها بعده في الوقت ، لما تقدم من أنه إذا أتى بما يفسد الفرض فقط انقلب نفلا وإن لم يتسع الوقت استأنفها للفرض ، لتعين الوقت له ( فإن زاد على التكبير كقوله : الله أكبر كبيرا أو الله أكبر وأعظم أو ) الله أكبر ( وأجل ونحوه كره ) له ذلك لأنه محدث والحكمة في افتتاح الصلاة بهذا اللفظ . كما قاله القاضي عياض استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه ، ليمتلئ هيبة فيحضر قلبه ، ويخشع ولا يغيب ، وسميت التكبيرة التي يدخل بها في الصلاة : تكبيرة الإحرام لأنه يدخل بها في عبادة يحرم فيها أمور .

                                                                                                                      والإحرام : الدخول في حرمة لا تنتهك ( فإن مد ) المحرم ( همزة الله ، أو ) مد همزة ( أكبر ) لم تنعقد صلاته لأنه يصير استفهاما ( أو قال أكبار لم تنعقد ) صلاته لأنه يصير جمع كبر ، بفتح الكاف وهو الطبل ( ولا تضر زيادة المد على الألف بين اللام والهاء لأنها ) أي زيادة المد ( إشباع ) لأن اللام ممدودة فغايته : أنه زاد في مد اللام .

                                                                                                                      ولم يأت بحرف زائد ( وحذفها ) أي : حذفه زيادة [ ص: 331 ] المد ( أولى لأنه يكره تمطيطه ) أي : التكبير ( فإن لم يحسن التكبير بالعربية لزمه تعلمه ) لأنه ذكر لا تصح الصلاة إلا به ، فلزمه تعلمه ، كقراءة الفاتحة ( مكانه ، أو ما قرب منه ) فلا يلزمه السفر لتعلمه ( فإن خشي فوات الوقت ) كبر بلغته ( أو عجز عن التعلم كبر بلغته ) لأنه عجز عن اللفظ فلزمه الإتيان بمعناه ، كلفظة النكاح .

                                                                                                                      ( فإن كان يعرف لغات ) فيها أفضل ، كبر به ( فالأولى تقديم السرياني ، ثم الفارسي ، ثم التركي أو الهندي ) فيخير بينهما لتساويهما ( ولا يكبر قبل ذلك ) أي : قبل التعلم ، حيث قدر عليه ( بلغته ) فلا تنعقد صلاته لأنه ترك فرضه بلا عذر ( فإن عجز عن التكبير ) بالعربية وغيرها ( سقط عنه كالأخرس ) لقوله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .

                                                                                                                      ( ولا يترجم عن ) ذكر ( مستحب ) بغير العربية ولو عجز عنها لأنه غير محتاج إليه ( فإن فعل ) أي : ترجم عن الذكر المستحب ( بطلت ) صلاته لأنه كلام أجنبي ( وحكم كل ذكر واجب ) كتشهد وتسبيح ركوع وسجود ( كتكبيرة الإحرام ) لمساواته لها في الوجوب ( وإن أحسن البعض ) من التكبير ، أو الذكر الواجب ، بأن لفظ الله ، أو أكبر ، أو سبحان ، دون الباقي ( أتى به ) لحديث { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } قال ابن نصر الله في شرح الفروع : وكلامه يقتضي أنه لو قدر على الإتيان ببعض حروف إحدى الكلمتين دون بقيتها لزمه الإتيان به وفيه نظر ا هـ .

                                                                                                                      قال في الشرح : فإن عجز عن بعض اللفظ أو بعض الحروف أتى بما عجز عن بعض الفاتحة ( والأخرس ومقطوع اللسان يحرم بقلبه ) لعجزه عنه بلسانه ( ولا يحرك لسانه ) كمن سقط عنه القيام يسقط عنه النهوض إليه ، وإن قدر عليه لأنه عبث ولم يرد الشرع به ، كالعبث بسائر جوارحه وإنما لزم القادر ضرورة ( وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيره ) كالتحميد والتسميع والتشهد والسلام ، يأتي به الأخرس ونحوه بقلبه ، ولا يحرك لسانه لما تقدم .

                                                                                                                      ( ويسن جهر الإمام بالتكبير كله ) ليتمكن المأموم من متابعته فيه ، لقوله صلى الله عليه وسلم " فإذا كبر فكبروا " ( وبتسميع ) ليحمد المأموم عقبه لقوله صلى الله عليه وسلم " وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد .

                                                                                                                      و ( لا ) يسن جهر الإمام ب ( تحميد ) لأنه لا يتعقبه من [ ص: 332 ] المأموم شيء فلا فائدة في الجهر به .

                                                                                                                      ( و ) يسن جهر الإمام ( بسلام أول ) أي : بالتسليمة الأولى ، ليتابعه المأموم في السلام ( فقط ) أي : دون التسليمة الثانية ، لحصول العلم بالسلام بالأولى ، إذ من المعلوم أن الثانية تعقب الأولى .

                                                                                                                      ( و ) يسن جهر الإمام ( بقراءة في ) صلاة ( جهرية ) كأولتي مغرب وعشاء وكصبح وجمعة وعيد ونحوها ، لما يأتي ويكون الجهر في كل موضع .

                                                                                                                      قلنا : يستحب ( بحيث يسمع من خلفه ) أي : جميعهم ، إن أمكن ( وأدناه ) أي : أدنى جهر الإمام به ( سماع غيره ) ولو واحدا ممن وراءه لأنه سمعه واحد اقتدى به ، واقتدى بذلك الواحد غيره فيحصل المقصود ( ويسر مأموم ومنفرد به ) أي : التكبير وبغيره من التسبيح والتحميد والسلام ، لأن المنفرد لا يحتاج إلى إسماع غيره ، وكذا المأموم إذا كان الإمام يسمعهم ( وفي القراءة تفصيل يأتي ) عند الكلام على قراءة السورة .

                                                                                                                      ( ويكره جهر مأموم ) في الصلاة بشيء من أقوالها ، لأنه يخلط على غيره ( إلا بتكبير وتحميد وسلام لحاجة ) بأن كان لا يسمع جميعهم ( ولو بلا إذن الإمام ) له في الجهر بذلك ، لدعاء الحاجة إليه ( فيسن ) لأحد المأمومين ، لأن أبا بكر لما صلى هو والناس قياما وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه جالسا ، فكان أبو بكر يسمع الناس تكبيره .

                                                                                                                      وقال في شرح الفروع : إلا المرأة إذا كانت مع الرجال ، أي : فلا تجهر هي ، بل أحدهم ( قال الشيخ : إذا كان الإمام يبلغ صوته المأمومين ) كلهم ( لم يستحب لأحد المأمومين التبليغ ، باتفاق المسلمين ) لعدم الحاجة إليه ( وجهر كل مصل ) من إمام ومأموم ومنفرد ( في ركن ) قولي ، كقراءة الفاتحة ، وتكبيرة إحرام ( وواجب ) قولي ، كتكبير انتقال وتشهد أول وتسميع وتحميد ( فرض بقدر ما يسمع نفسه ) لأنه لا يكون أتيا بشيء من ذلك بدون صوت والصوت ما يتأتى سماعه وأقرب السامعين إليه نفسه ، واختار الشيخ تقي الدين الاكتفاء بالحروف ، وإن لم يسمعها قال في الفروع : ويتوجه مثله كل ما تعلق بالنطق ، كطلاق وغيره ا هـ .

                                                                                                                      ويأتي في الطلاق : أنه يقع وإن لم يسمع نفسه ( إن لم يكن ) به ( مانع ) من السماع ، كصمم ( فإن كان ) مانع ( ف ) إنه يجب الجهر بالفرض والواجب ( بحيث يحصل السماع مع عدمه ) أي : المانع ( ويرفع ) المصلي ( يديه ) عند تكبيرة الإحرام ( ندبا ) قال في الشرح .

                                                                                                                      وفي المبدع : بغير خلاف نعلمه ، زاد في المبدع : وليس بواجب اتفاقا .

                                                                                                                      وفي شرح [ ص: 333 ] الفروع : خلافا لابن حزم في إيجابه هنا فقط ( والأفضل ) أن تكون يداه ( مكشوفتين هنا وفي الدعاء ) لأن كشفهما أدل على المقصود ، وأظهر في الخضوع ( أو ) يرفع ( إحداهما ) أي : إحدى اليدين ( عجزا ) عن رفع اليد الأخرى لمرضها ; وقال في شرح الفروع : وكذا لو عجز عن رفعهما لمانع ، يتوجه أن ينوي رفعهما لو كانا .

                                                                                                                      ولم أجد من ذكره ( ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير ، وانتهاؤه ) أي : الرفع ( مع انتهائه ) أي : التكبير لما روى وائل بن حجر أنه { رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير } ولأن الرفع للتكبير ، فكان معه وتكون اليدان حال الرفع ( ممدودتي الأصابع ) لقول أبي هريرة { كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مدا } رواه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد حسن .

                                                                                                                      ( مضمومة ) أصابعهما لأن الأصابع إذا ضمت ، تمتد ( ويستقبل ببطونها القبلة ) ويكون الرفع ( إلى حذو ) بالذال المعجمة ( منكبيه برءوسهما ) والحذو المقابل والمنكب : بفتح الميم وكسر الكاف : مجمع عظم العضد والكتف .

                                                                                                                      ومحل ذلك ( إن لم يكن ) للمصلي ( عذر ) يمنعه من رفعهما ، أو رفع إحداهما إلى حذو منكبيه لما روى ابن عمر قال { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ، حتى يكونا حذو منكبيه ، ثم يكبر } متفق عليه ( ويرفعهما ) المصلي ( أقل ) من ذلك ( وأكثر ) منه ( لعذر ) يمنعه منه ، لحديث { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } .

                                                                                                                      ( ويسقط ) ندب رفع اليدين ( مع فراغ التكبير كله ) لأنه سنة فات محلها وإن نسيه في ابتداء التكبير ثم ذكره في أثنائه أتى به فيما بقي لبقاء محل الاستحباب ( ورفعهما ) أي : اليدين ( إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه ) كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية .

                                                                                                                      ذكره ابن شهاب ( ثم ) بعد فراغ التكبير ، ( يحطهما ) أي : يديه ( من غير ذكر ) لعدم وروده ( ثم يقبض بكفه الأيمن كوعه الأيسر ) نص عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم { وضع اليمنى على اليسرى } رواه مسلم من حديث وائل .

                                                                                                                      وفي رواية لأحمد وأبي داود " ثم { وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى ، والرسغ والساعد } ( ويجعلهما تحت سرته ) روي عن علي وأبي هريرة لقول علي { من السنة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة } رواه أحمد وأبو داود وذكر في التحقيق : أنه لا يصح قيل للقاضي : هو عورة فلا يضعها عليه كالعانة والفخذ ؟

                                                                                                                      وأجاب : بأن العورة أولى [ ص: 334 ] وأبلغ بالوضع عليه لحفظه ( ومعناه ) أي معنى وضع كفه الأيمن على كوعه الأيسر وجعلها تحت سرته : أن فاعل ذلك ذو ( ذل بين يدي ذي عز ) نقله أحمد بن يحيى الرقي .

                                                                                                                      ( ويكره ) جعل يديه ( على صدره ) نص عليه ، مع أنه رواه .

                                                                                                                      قاله في المبدع ( ويستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصلاة ) لما روى أحمد في الناسخ والمنسوخ على ابن سيرين { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره إلى السماء ، فنزلت { الذين هم في صلاتهم خاشعون } فطأطأ رأسه } ورواه سعيد بسنده أيضا عنه وزاد فيه " قال { كانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه ولأنه أخشع وأكف لنظره إلا في صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة فإنه ينظر إلى العدو للحاجة وكذا إذا اشتد الخوف ، أو كان خائفا من سيل أو سبع أو فوات } وقت ( الوقوف بعرفة أو ضياع ماله وشبه ذلك مما يحصل له به ضرر ، إذا نظر إلى موضع سجوده ) .

                                                                                                                      قال في المبدع : وحال إشارته في التشهد فإنه ينظر إلى سبابته ، لخبر ابن الزبير ، وصلاته تجاه الكعبة فإنه ينظر إليها .

                                                                                                                      وفي الغنية : يكره إلصاق الحنك بالصدر وعلى الثوب ، وإنه يروى عن الحسن أن العلماء من الصحابة كرهته .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية