الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7072 ) مسألة : قال : ( وإذا دفعوا لم يتبع لهم مدبر ، ولا يجاز على جريحهم ، ولم يقتل لهم أسير ، ولم يغنم لهم مال ، ولم تسب لهم ذرية ) وجملته أن أهل البغي إذا تركوا القتال ; إما بالرجوع إلى الطاعة ، وإما بإلقاء السلاح ، وإما بالهزيمة إلى فئة أو إلى غير فئة ، وإما بالعجز ; لجراح أو مرض أو أسر ، فإنه يحرم قتلهم ، واتباع مدبرهم . وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ، إذا هزموا ولا فئة لهم كقولنا ، وإن كانت لهم فئة يلجئون إليها ، جاز قتل مدبرهم وأسيرهم ، والإجازة على جريحهم ، وإن لم يكن لهم فئة ، لم يقتلوا ، لكن يضربون ضربا وجيعا ، ويحبسون حتى يقلعوا عما هم عليه ، ويحدثوا توبة . ذكروا هذا في الخوارج . ويروى عن ابن عباس نحو هذا . واختاره بعض أصحاب الشافعي ; لأنه متى لم يقتلهم ، اجتمعوا ثم عادوا إلى المحاربة . ولنا ، ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل : لا يذفف على جريح ، ولا يهتك ستر ، ولا يفتح باب ، ومن [ ص: 10 ] أغلق بابا أو بابه فهو آمن ، ولا يتبع مدبر . وقد روي نحو ذلك عن عمار .

                                                                                                                                            وعن علي ، رضي الله عنه أنه ودى قوما من بيت مال المسلمين ، قتلوا مدبرين . وعن أبي أمامة ، أنه قال : شهدت صفين ، فكانوا لا يجيزون على جريح ، ولا يقتلون موليا ، ولا يسلبون قتيلا . وقد ذكر القاضي ، في " شرحه " ، عن عبد الله بن مسعود ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أم عبد ، ما حكم من بغى على أمتي ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم . فقال : لا يتبع مدبرهم ، ولا يجاز على جريحهم ، ولا يقتل أسيرهم ، ولا يقسم فيؤهم } . ولأن المقصود دفعهم وكفهم ، وقد حصل ، فلم يجز قتلهم ، كالصائل . ولا يقتلون لما يخاف في الثاني : كما لو لم تكن لهم فئة .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإن قتل إنسان من منع من قتله ، ضمنه ; لأنه قتل معصوما ، لم يؤمر بقتله . وفي القصاص وجهان ; أحدهما ، يجب ، لأنه مكافئ معصوم . والثاني : لا يجب ; لأن في قتلهم اختلافا بين الأئمة ، فكان ذلك شبهة دارئة للقصاص ; لأنه مما يندرئ بالشبهات . وأما أسيرهم ، فإن دخل في الطاعة ، خلي سبيله ، وإن أبى ذلك ، وكان رجلا جلدا من أهل القتال ، حبس ما دامت الحرب قائمة ، فإذا انقضت الحرب ، خلي سبيله ، وشرط عليه أن لا يعود إلى القتال ، وإن لم يكن الأسير من أهل القتال ، كالنساء والصبيان والشيوخ الفانين ، خلي سبيلهم ، ولم يحبسوا ، في أحد الوجهين . وفي الآخر ، يحبسون ; لأن فيه كسرا لقلوب البغاة . وإن أسر كل واحد من الفريقين أسارى من الفريق الآخر ، جاز فداء أسارى أهل العدل بأسارى أهل البغي . وإن قتل أهل البغي أسارى أهل العدل ، لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم ; لأنهم لا يقتلون بجناية غيرهم ، ولا يزرون وزر غيرهم .

                                                                                                                                            وإن أبى البغاة مفاداة الأسرى الذين معهم ، وحبسوهم ، احتمل أن يجوز لأهل العدل حبس من معهم ; ليتوصلوا إلى تخليص أساراهم بحبس من معهم ، ويحتمل أن لا يجوز حبسهم ويطلقون ; لأن الذنب في حبس أسارى أهل العدل لغيرهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية