الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1811 ) مسألة : قال : ( والزكاة تجب في الذمة بحلول الحول وإن تلف المال ، فرط أو لم يفرط ) هذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة : أحدها ، أن الزكاة تجب في الذمة . وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وأحد قولي الشافعي ; لأن إخراجها من غير النصاب جائز ، فلم تكن واجبة فيه ، كزكاة الفطر ، ولأنها لو وجبت فيه ، لامتنع تصرف المالك فيه ، ولتمكن المستحقون من إلزامه أداء الزكاة من عينه ، أو ظهر شيء من أحكام ثبوته فيه ، ولسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط ، كسقوط أرش الجناية بتلف الجاني . والثانية ، أنها تجب في العين .

                                                                                                                                            وهذا القول الثاني للشافعي وهذه الرواية هي الظاهرة عند بعض أصحابنا ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { في أربعين شاة شاة . وقوله : فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بدالية أو نضح نصف العشر } . وغير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف " في " وهي للظرفية . وإنما جاز الإخراج من غير النصاب رخصة . وفائدة الخلاف أنها إذا كانت في الذمة ، فحال على ماله حولان ، لم يؤد زكاتهما ، وجب عليه أداؤها لما مضى ، ولا تنقص عنه الزكاة في الحول الثاني ، وكذلك إن كان أكثر من نصاب ، لم تنقص الزكاة ، وإن مضى عليه أحوال ، فلو كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها ، وجب عليه ثلاث شياه ، وإن كانت مائة دينار ، فعليه سبعة دنانير ونصف ; لأن الزكاة وجبت في ذمته ، فلم يؤثر في تنقيص النصاب .

                                                                                                                                            لكن إن لم يكن له مال آخر يؤدي الزكاة منه ، احتمل أن تسقط الزكاة في قدرها ; لأن الدين يمنع وجوب الزكاة . وقال ابن عقيل : لا تسقط الزكاة بهذا بحال ; لأن الشيء لا يسقط نفسه ، وقد يسقط غيره ، بدليل أن تغير الماء بالنجاسة في محلها لا يمنع صحة طهارتها وإزالتها به ، ويمنع إزالة نجاسة غيرها . والأول أولى ; لأن الزكاة الثانية غير الأولى . وإن قلنا : الزكاة تتعلق بالعين . وكان النصاب مما تجب الزكاة في عينه ، فحالت عليه أحوال لم تؤد زكاتها ، تعلقت الزكاة في الحول الأول من النصاب بقدره ، فإن كان نصابا لا زيادة عليه ، فلا زكاة فيه ، فيما بعد الحول الأول ; لأن النصاب نقص فيه ، وإن كان أكثر من نصاب عزل قدر فرض الحول الأول ، وعليه زكاة ما بقي .

                                                                                                                                            وهذا هو المنصوص عن أحمد ، في رواية جماعة . وقال ، في رواية محمد بن الحكم : إذا كانت الغنم أربعين ، فلم يأته المصدق عامين ، فإذا أخذ المصدق شاة ، فليس عليه شيء في الباقي ، وفيه خلاف . وقال ، في رواية صالح : إذا كان عند الرجل مائتا درهم ، فلم يزكها حتى حال عليها حول آخر ، يزكيها للعام الأول ; لأن هذه تصير مائتين غير خمسة دراهم . وقال ، في رجل له ألف درهم ، فلم يزكها سنين : يزكي في أول سنة خمسة وعشرين ، ثم في كل سنة بحساب ما بقي .

                                                                                                                                            وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي عبيد . فإن كان عنده أربعون من الغنم نتجت سخلة في كل حول ، وجب عليه في كل سنة شاة ; لأن النصاب كمل بالسخلة الحادثة ، فإن كان نتاج السخلة بعد وجوب الزكاة عليه بمدة ، استؤنف الحول الثاني من حين نتجت ; لأنه حينئذ كمل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية