الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            القصة الثانية قصة إبراهيم عليه السلام

                                                                                                                                                                                                                                            ( وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون ) في الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الضمير في قوله من شيعته إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : وهو الأظهر أنه عائد إلى نوح عليه السلام ، أي : من شيعة نوح ، أي من أهل بيته وعلى دينه ومنهاجه لإبراهيم ، قالوا : وما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان هود وصالح ، وروى صاحب الكشاف : إنه كان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال الكلبي : المراد من شيعة محمد لإبراهيم بمعنى أنه كان على دينه ومنهاجه فهو من شيعته وإن كان سابقا له ، والأول أظهر ؛ لأنه تقدم ذكر نوح عليه السلام ، ولم يتقدم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فعود الضمير إلى نوح أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : العامل في " إذ " ما دل عليه قوله : ( وإن من شيعته ) من معنى المشايعة يعني وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه بقلب سليم لإبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( إذ جاء ربه بقلب سليم ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في قوله : ( بقلب سليم ) قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال مقاتل والكلبي : يعني : خالص من الشرك ، والمعنى أنه سلم من الشرك فلم يشرك بالله .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : قال الأصوليون : المراد أنه عاش ومات على طهارة القلب من كل دنس من المعاصي ، فيدخل فيه كونه سليما عن الشرك وعن الشك وعن الغل والغش والحقد والحسد .

                                                                                                                                                                                                                                            عن ابن عباس : أنه كان يحب للناس ما يحب لنفسه ، وسلم جميع الناس من غشه وظلمه وأسلمه الله تعالى فلم يعدل به أحدا ، واحتج الذاهبون إلى القول الأول بأنه تعالى ذكر بعد هذه الكلمة إنكاره على قومه الشرك بالله ، وهو قوله : ( إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ) واحتج الذاهبون إلى القول الثاني بأن اللفظ مطلق فلا يقيد بصفة دون صفة ، ويتأكد هذا بقوله تعالى : ( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 128 ] [ الأنبياء : 51 ] مع أنه تعالى قال : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] وقال : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) [ الأنعام : 75 ] فإن قيل : ما معنى المجيء بقلبه ربه ؟ قلنا : معناه أنه أخلص لله قلبه ، فكأنه أتحف حضرة الله بذلك القلب ، ورأيت في التوراة أن الله قال لموسى : أجب إلهك بكل قلبك .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما ذكر أن إبراهيم جاء ربه بقلب سليم ذكر أن من جملة آثار تلك السلامة أن دعا أباه وقومه إلى التوحيد فقال : ( إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ) والمقصود من هذا الكلام تهجين تلك الطريقة وتقبيحها .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( أئفكا آلهة دون الله تريدون ) قال صاحب الكشاف : أئفكا مفعول له تقديره أتريدون آلهة من دونه إفكا ، وإنما قدم المفعول على الفعل للعناية وقدم المفعول له على المفعول به ؛ لأنه كان الأهم عنده أن يقرر عندهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم ، ويجوز أن يكون إفكا مفعولا به يعني أتريدون إفكا ، ثم فسر الإفك بقوله : ( آلهة دون الله ) على أنها إفك في أنفسها ، ويجوز أن يكون حالا بمعنى تريدون آلهة من دون الله آفكين .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية