الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 318 ] عبد الله بن كثير

                                                                                      ابن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فيروزان ، بن هرمز الإمام العلم مقرئ مكة ، وأحد القراء السبعة أبو معبد الكناني الداري المكي مولى عمرو بن علقمة الكناني . وقيل : يكنى أبا عباد ، وقيل : أبا بكر ، فارسي الأصل . وكان داريا وهو العطار وقد وهم البخاري ، فقال : إنه من بني عبد الدار .

                                                                                      وقال ابن أبي داود : هو من قوم تميم الداري ، والدار : بطن من لخم أبوهم الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم من أدد بن سبأ . وكذا تابعه الدارقطني فوهما .

                                                                                      وقال الأصمعي : الذي لا يبرح من داره هو الداري ، فلا يطلب معاشا ، وعنه قال : كان ابن كثير عطارا ، قلت : هذا الحق ، واشتراك الأنساب لا يبطل ذلك . وكان من أبناء فارس الذين بعثهم كسرى إلى صنعاء اليمن ، فطردوا عنها الحبشة .

                                                                                      قيل : قرأ على عبد الله بن السائب المخزومي ، وذلك محتمل ، والمشهور تلاوته على مجاهد ودرباس مولى ابن عباس . تلا عليه أبو عمرو بن العلاء ، ومعروف بن مشكان ، وإسماعيل بن قسطنطين وعدة . وقد حدث عن ابن الزبير ، وأبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم ، وعكرمة ، ومجاهد وغيرهم . وهو قليل الحديث . روى عنه أيوب ، وابن جريج ، وإسماعيل بن أمية ، وزمعة بن صالح ، [ ص: 319 ] وعمر بن حبيب المكي ، وليث بن أبي سليم ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، وجرير بن حازم ، وحسين بن واقد ، وعبد الله بن أبي نجيح ، وحماد بن سلمة وآخرون .

                                                                                      وثقه علي بن المديني وغيره . وكان رجلا مهيبا طويلا أبيض اللحية جسيما أسمر ، أشهل العينين ، تعلوه سكينة ووقار ، وكان فصيحا مفوها واعظا كبير الشأن . يقال : إن ابن عيينة أدركه ، وسمع منه ، ولم يصح ، إنما شهد جنازته . وقد وثقه النسائي أيضا ، وعاش خمسا وسبعين سنة . مات سنة عشرين ومائة قال ابن عيينة : رأيته يخضب بالصفرة ، ويقص للجماعة .

                                                                                      أخبرنا إسحاق بن أبي بكر ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا علي بن قادشاه ، أنبأنا أبو علي المقرئ ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن ابن الزبير ، قال : كانت بنو إسرائيل إذا بلغوا ذا طوى ، نزعوا نعالهم . عن ابن عيينة ، قال : كان ابن كثير يبيع العطر قديما ، وقال شبل بن عباد : ولد ابن كثير بمكة سنة 48 ومات سنة عشرين ومائة .

                                                                                      قال ابن سعد : كان ابن كثير المقرئ ثقة ، له أحاديث صالحة ، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة .

                                                                                      وقال البخاري في " تاريخه " حدثنا الحميدي ، عن ابن عيينة ، سمعت مطرفا بمكة في جنازة عبد الله بن كثير ، وأنا غلام سنة عشرين ، قال : سمعت الحسن ، ثم قال : وقال علي : قيل لابن عيينة : رأيت عبد الله بن كثير ؟ قال : رأيته سنة اثنتين وعشرين ومائة ، أسمع قصصه وأنا غلام ، كان قاص الجماعة .

                                                                                      قلت : فهذان قولان لابن عيينة . فإما شك ، وإما عنى بأن الذي مات سنة عشرين هو عبد الله بن المطلب السهمي الذي خرج له مسلم في الجنائز من طريق ابن جريج عنه وهذا أشبه .

                                                                                      [ ص: 320 ] وقال أبو علي الغساني : حديث السلف يرويه ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم ، عن ابن عباس ، ثم قال : فقال أبو الحسن القابسي وغيره : هو ابن كثير القارئ ، ثم قال : وهذا ليس بصحيح ، بل هو ابن كثير بن المطلب السهمي . كذا نسبه الكلاباذي وهو أخو كثير بن كثير ، لا شيء له في الصحيح سوى حديث السلم عن صحيح البخاري ، وكذا ذكر الدارقطني والحاكم وغيرهما عبد الله بن كثير بن المطلب في رجال " الصحيحين " وذكره البخاري في " تاريخه " لكنه وهم في نسبته إلى بني عبد الدار .

                                                                                      وقال أبو نعيم الحافظ : عبد الله بن كثير القارئ الداري مولى بني عبد الدار .

                                                                                      قال ابن المديني : قد روى عن الداري أيوب وابن جريج ، وكان ثقة . حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة : رأيت أبا عمرو بن العلاء يقرأ على عبد الله بن كثير .

                                                                                      قال ابن عيينة : لم يكن بمكة أحد أقرأ من حميد بن قيس ، وعبد الله بن كثير .

                                                                                      وقال جرير بن حازم : رأيت عبد الله بن كثير فصيحا بالقرآن . وذكر الداني أن ابن كثير أخذ القراءة عن عبد الله بن السائب .

                                                                                      ابن مجاهد : حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، عن سفيان ، حدثنا قاسم الرحال في جنازة عبد الله بن كثير ، يعني في سنة عشرين أنبأنا عبد الرحمن بن محمد ، والمسلم بن علان ، قالا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا [ ص: 321 ] هبة الله ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس : قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ، والناس يسلفون في التمر العام والعامين ، أو قال : عامين وثلاثة ، فقال : من سلف في تمر ، فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم أخرجوه ستتهم . عن رجالهم من حديث ابن أبي نجيح . فترددنا في ابن كثير هذا ، هل هو الداري أو السهمي ، واختلف العلماء قبلنا فيه ، وفي رجال مسلم للدارقطني ذكر السهمي فقط ، وذكر في رجال البخاري عبد الله بن كثير المكي فقط وكل منهما مكي ، والذي علم بالتأمل ، أن الداري رجل كبير شهير ، وأن السهمي لا يكاد يعرف إلا بحديث واحد في صحيح مسلم ، وهو معلل في استغفاره -صلى الله عليه وسلم- لأهل البقيع ، تفرد به ابن وهب ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير بن المطلب ، عن محمد بن قيس بن مخرمة ، عن عائشة في خروجه عليه السلام ليلا ، واستغفاره لهم ، وهو من الموافقات العالية في فوائد الإخميمي ، ثم قال مسلم في عقبه : وحدثني من سمع حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، عن عبد الله رجل من قريش ، عن محمد بن قيس بهذا .

                                                                                      قال الدارقطني : هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة . قلت : المطلب هذا هو ابن الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم القرشي . ولعبد الله إخوة : كثير ، وجعفر ، وسعيد ، وليسوا بالمشهورين .

                                                                                      [ ص: 322 ] وقال النسائي ، عن يوسف بن مسلم ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن محمد بن قيس ، ثم قال النسائي : حجاج في ابن جريج عندنا أثبت من ابن وهب .

                                                                                      قلت : ما اختلفا فيه ، وإنما ابن مسلم زاد من عنده إيضاحا بحسب ظنه فقال بعد عبد الله : ابن أبي مليكة . فهذا ما عندنا من ذكر السهمي ، ولم نتيقن له رواية حديث سوى هذا . وأما حديث السلف ، فمتجاذب بينه وبين الداري ، فليلتمس مرجح لأحدهما والله أعلم .

                                                                                      وأما الكلاباذي ، فقال في رجال البخاري : عبد الله بن كثير بن المطلب القرشي العبدري المكي القاص حدث عن أبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم ، روى عنه ابن أبي نجيح في أول السلم ، فهذا كما ترى : جعل ابن كثير بن المطلب عبدريا ، وإنما هو سهمي ، وجعله القاص ، وإنما القاص الداري القارئ ، وكذا قال البخاري في ابن المطلب : إنه من بني عبد الدار بن قصي . وما ذكر في تاريخه سواه ، وما ذكر ابن أبي حاتم سواه ، إلا ابن كثير الطويل الدمشقي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية