الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الرفاعي

                                                                                      الإمام ، القدوة ، العابد ، الزاهد ، شيخ العارفين أبو العباس [ ص: 78 ] أحمد بن أبي الحسن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة الرفاعي المغربي ثم البطائحي .

                                                                                      قدم أبوه من المغرب ، وسكن البطائح ، بقرية أم عبيدة . وتزوج بأخت منصور الزاهد ، ورزق منها الشيخ أحمد وإخوته .

                                                                                      وكان أبو الحسن مقرئا يؤم بالشيخ منصور ، فتوفي وابنه أحمد حمل .

                                                                                      فرباه خاله ، فقيل : كان مولده في أول سنة خمسمائة .

                                                                                      قيل : إنه أقسم على أصحابه إن كان فيه عيب ينبهونه عليه ، فقال الشيخ عمر الفاروثي : يا سيدي أنا أعلم فيك عيبا . قال : ما هو ؟ قال : يا سيدي ، عيبك أننا من أصحابك . فبكى الشيخ والفقراء ، وقال -أي عمر - : إن سلم المركب ، حمل من فيه .

                                                                                      قيل : إن هرة نامت على كم الشيخ أحمد ، وقامت الصلاة فقص كمه ، وما أزعجها ، ثم قعد ، فوصله ، وقال : ما تغير شيء .

                                                                                      وقيل : توضأ ، فنزلت بعوضة على يده ، فوقف لها حتى طارت .

                                                                                      [ ص: 79 ] وعنه قال : أقرب الطريق الانكسار والذل والافتقار ; تعظم أمر الله ، وتشفق على خلق الله ، وتقتدي بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                      وقيل : كان شافعيا يعرف الفقه . وقيل : كان يجمع الحطب .

                                                                                      ويجيء به إلى بيوت الأرامل ، ويملأ لهم بالجرة .

                                                                                      قيل له : أيش أنت يا سيدي ؟ فبكى ، وقال : يا فقير ، ومن أنا في البين ، ثبت نسب واطلب ميراث .

                                                                                      وقال لما اجتمع القوم ، طلب كل واحد شيئا فقال هذا اللاش أحمد : أي رب علمك محيط بي وبطلبي فكرر علي القول . قلت : أي مولاي ، أريد أن لا أريد ، وأختار أن لا يكون لي اختيار ، فأجبت ، وصار الأمر له وعليه .

                                                                                      وقيل : إنه رأى فقيرا يقتل قملة ، فقال : لا واخذك الله ، شفيت غيظك ! ؟

                                                                                      وعنه أنه قال : لو أن عن يميني جماعة يروحوني بمراوح الند والطيب ، وهم أقرب الناس إلي ، وعن يساري مثلهم يقرضون لحمي بمقاريض وهم أبغض الناس إلي ، ما زاد هؤلاء عندي ، ولا نقص هؤلاء عندي بما فعلوه ، ثم تلا : لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم [ ص: 80 ] [ الحديد : 23 ]

                                                                                      وقيل : أحضر بين يديه طبق تمر ، فبقي ينقي لنفسه الحشف يأكله ، ويقول : أنا أحق بالدون ، فإني مثله دون .

                                                                                      وكان لا يجمع بين لبس قميصين ، ولا يأكل إلا بعد يومين أو ثلاثة أكلة ، وإذا غسل ثوبه ، ينزل في الشط كما هو قائم يفركه ، ثم يقف في الشمس حتى ينشف ، وإذا ورد ضيف ، يدور على بيوت أصحابه يجمع الطعام في مئزر .

                                                                                      وعنه قال : الفقير المتمكن إذا سأل حاجة ، وقضيت له ، نقص تمكنه درجة .

                                                                                      وكان لا يقوم للرؤساء ، ويقول : النظر إلى وجوههم يقسي القلب .

                                                                                      وكان كثير الاستغفار ، عالي المقدار ، رقيق القلب ، غزير الإخلاص .

                                                                                      توفي سنة ثمان وسبعين وخمسمائة في جمادى الأولى -رحمه الله .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية