الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أسامة بن زيد ( ع )

                                                                                      ابن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس ، المولى الأمير الكبير [ ص: 497 ] حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومولاه ، وابن مولاه .

                                                                                      أبو زيد ، ويقال : أبو محمد ، ويقال : أبو حارثة ، وقيل : أبو يزيد .

                                                                                      استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم- على جيش لغزو الشام ، وفي الجيش عمر والكبار ; فلم يسر حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فبادر الصديق ببعثهم ، فأغاروا على أبنى ، من ناحية البلقاء . وقيل : إنه شهد يوم مؤتة مع والده . وقد سكن المزة مدة ; ثم رجع إلى المدينة ، فمات بها . وقيل : مات بوادي القرى .

                                                                                      حدث عنه أبو هريرة ، وابن عباس ، وأبو وائل ، وأبو عثمان النهدي ، وعروة بن الزبير ، وأبو سلمة ، وأبو سعيد المقبري ، وعامر بن سعد ، وأبو ظبيان ، وعطاء بن أبي رباح ، وعدة ، وابناه : حسن ، ومحمد .

                                                                                      ثبت عن أسامة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يأخذني والحسن ، فيقول : اللهم ، إني أحبهما ، فأحبهما [ ص: 498 ]

                                                                                      قلت : هو كان أكبر من الحسن بأزيد من عشر سنين .

                                                                                      وكان شديد السواد ، خفيف الروح ، شاطرا ، شجاعا . رباه النبي - صلى الله عليه وسلم- وأحبه كثيرا .

                                                                                      وهو ابن حاضنة النبي ، صلى الله عليه وسلم : أم أيمن وكان أبوه أبيض . وقد فرح له رسول الله بقول مجزز المدلجي : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

                                                                                      أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه : أخبرني أسامة بن زيد : أن عليا قال : يا رسول الله ، أي أهلك أحب إليك ؟ قال : فاطمة . قال : إنما أسألك عن الرجال ؟ قال : من أنعم الله عليه ، وأنعمت عليه : أسامة بن زيد . قال : ثم من ؟ قال : ثم أنت .

                                                                                      وروى مغيرة ، عن الشعبي : أن عائشة قالت : ما ينبغي لأحد أن يبغض أسامة ، بعدما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : من كان يحب الله ورسوله ، فليحب أسامة . [ ص: 499 ]

                                                                                      وقالت عائشة في شأن المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يجترئ على رسول الله يكلمه فيها إلا أسامة ، حب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      موسى بن عقبة ، وغيره ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : أحب الناس إلي أسامة ، ما حاشا فاطمة ولا غيرها .

                                                                                      قال زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : فرض عمر لأسامة ثلاثة آلاف وخمس مائة ، وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف . فقال : لم فضلته علي ، فوالله ما سبقني إلى مشهد ؟ قال : لأن أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك ، وهو أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- منك ، فآثرت حب رسول الله على حبي .

                                                                                      حسنه الترمذي .

                                                                                      قال ابن عمر : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسامة ، فطعنوا في إمارته ; فقال : [ ص: 500 ] إن يطعنوا في إمارته ، فقد طعنوا في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده .

                                                                                      قلت : لما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم- على ذلك الجيش ، كان عمره ثماني عشرة سنة .

                                                                                      ابن سعد : حدثنا يزيد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة ينتظره ، فجاء غلام أسود أفطس . فقال أهل اليمن : إنما جلسنا لهذا ، فلذلك ارتدوا . يعني أيام الردة .

                                                                                      قال وكيع : سلم من الفتنة من المعروفين : سعد ، وابن عمر ، وأسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة .

                                                                                      قلت : انتفع أسامة من يوم النبي ، إذ يقول له : كيف بلا إله إلا [ ص: 501 ] الله يا أسامة فكف يده ، ولزم منزله ، فأحسن .

                                                                                      عائشة ، قالت : أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يمسح مخاط أسامة ، فقلت : دعني حتى أكون أنا التي أفعل . فقال : يا عائشة ، أحبيه ، فإني أحبه .

                                                                                      قلت : كان سنه في سنها .

                                                                                      مجالد ، عن الشعبي ، عن عائشة : أمرني رسول الله أن أغسل وجه أسامة وهو صبي . قالت : وما ولدت ، ولا أعرف كيف يغسل الصبيان ، فآخذه ، فأغسله غسلا ليس بذاك . قالت : فأخذه فجعل يغسل وجهه ، ويقول : لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية ، ولو كنت جارية ، لحليتك وأعطيتك .

                                                                                      وفي " المسند " عن البهي ، عن عائشة : قال رسول الله : لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه .

                                                                                      ومن غير وجه ، عن عمر : أنه لم يلق أسامة قط إلا قال : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله ، توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأنت علي أمير [ ص: 502 ] جرير بن حازم : حدثنا ابن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن عبيد الله بن عبد الله ، قال : رأيت أسامة بن زيد مضطجعا عند باب حجرة عائشة رافعا عقيرته يتغنى ، ورأيته يصلي عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- فمر به مروان ، فقال : أتصلي عند قبر ! وقال له قولا قبيحا . فقال : يا مروان ، إنك فاحش متفحش ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : إن الله يبغض الفاحش المتفحش .

                                                                                      وقال قيس بن أبي حازم : إن رسول الله حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد ، قال : فهلا إلي رجل قتل أبوه ؟ يعني أسامة .

                                                                                      إبراهيم بن طهمان ، عن عتبة بن عبد الله ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال : دخلت على فاطمة بنت قيس ، وقد طلقها زوجها . . . الحديث . فلما حلت ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : هل ذكرك أحد ؟ قالت : نعم ، معاوية وأبو الجهم . فقال : أما أبو الجهم فشديد الخلق ، وأما معاوية فصعلوك ، لا مال له . ولكن أنكحك أسامة . فقلت : أسامة - تهاونا بأمر أسامة - ثم قلت : سمعا وطاعة لله ولرسوله .

                                                                                      فزوجنيه ، فكرمني الله بأبي زيد ، وشرفني الله ، ورفعني به
                                                                                      .

                                                                                      وروى معناه مالك ، عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة عنها . [ ص: 503 ]

                                                                                      قال عروة بن الزبير : قال أبو بكر : والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فبعث أسامة ، واستأذنه في عمر أن يتركه عنده .

                                                                                      قال : فلما بلغوا الشام ، أصابتهم ضبابة شديدة ، فسترتهم ، حتى أغاروا ، وأصابوا حاجتهم . فقدم على هرقل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- وإغارة أسامة على أرضه في آن واحد . فقالت الروم : ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأن أغاروا على أرضنا .

                                                                                      ابن إسحاق ، عن سعيد بن عبيد بن السباق ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال : لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هبطت ، وهبط الناس المدينة ، فدخلت عليه ، وقد أصمت فلا يتكلم ، فجعل يضع يديه علي ، ثم يرفعهما ; فأعرف أنه يدعو لي .

                                                                                      أحمد في " مسنده " : حدثنا حجاج : أخبرنا شريك ، عن العباس بن ذريح ، عن البهي ، عن عائشة : أن أسامة عثر بأسكفة الباب ، فشج في جبهته ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- يمصه ، ثم يمجه ، وقال : لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته ، حتى أنفقه [ ص: 504 ] شريك ، عن أبي إسحاق ، عن جبلة ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا لم يغز ، أعطى سلاحه عليا أو أسامة .

                                                                                      الزبير بن بكار ، : حدثنا محمد بن سلام ، عن يزيد بن عياض ، قال : أهدى حكيم بن حزام للنبي - صلى الله عليه وسلم- في الهدنة حلة ذي يزن ، اشتراها بثلاث مائة دينار . فردها ، وقال : لا أقبل هدية مشرك . فباعها حكيم . فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- من اشتراها له . فلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلما رآه حكيم فيها ، قال :

                                                                                      ما ينظر الحكام بالفصل بعدما بدا سابق ذو غرة وحجول



                                                                                      فكساها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد .

                                                                                      فرآها عليه حكيم ، فقال : بخ بخ يا أسامة ! عليك حلة ذي يزن ! .

                                                                                      فقال له رسول الله : قل له : وما يمنعني وأنا خير منه ، وأبي خير من أبيه
                                                                                      .

                                                                                      معمر ، عن الزهري ، قال : لقي علي أسامة بن زيد ، فقال : ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة ، فلم لا تدخل معنا ؟ قال : يا أبا حسن ، إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد ، لأخذت بمشفره الآخر معك ، حتى نهلك جميعا ، أو نحيا جميعا ; فأما هذا الأمر الذي أنت فيه ، فوالله لا أدخل فيه [ ص: 505 ] أبدا .

                                                                                      روى نحوه عمرو بن دينار ، عن أبي جعفر ، عن حرملة مولى أسامة قال : بعثني أسامة إلى علي . . . فذكر نحوه .

                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن العدل : أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه : أخبرنا محمد بن عبد الباقي : أخبرنا علي بن الحسين البزار : أخبرنا أبو علي بن شاذان : أخبرنا أبو سهل بن زياد : حدثنا أحمد بن عبد الجبار : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، عن جده أسامة بن زيد ، قال : أدركت رجلا أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السيف ، قال : لا إله إلا الله . فلم ننزع عنه ، حتى قتلناه . فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم- أخبرناه خبره . فقال : يا أسامة ، من لك بلا إله إلا الله ؟ فقلنا : يا رسول الله ، إنما قالها تعوذا من القتل . قال : من لك يا أسامة بلا إله إلا الله ؟ فما زال يرددها ، حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني أسلمت يومئذ ، ولم أقتله .

                                                                                      فقلت : إني أعطي الله عهدا ألا أقتل رجلا يقول : لا إله إلا الله ، أبدا . فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : بعدي يا أسامة ؟ قال : بعدك
                                                                                      . [ ص: 506 ]

                                                                                      رواه شيخ آخر ، عن أحمد بن عبد الجبار : فزاد فيه : قال : أدركته - يعني مرداس بن نهيك - أنا ورجل ; فلما شهرنا عليه السيف ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله .

                                                                                      هشام الدستوائي : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني عمر بن الحكم بن ثوبان ، أن مولى قدامة بن مظعون حدثه : أن مولى أسامة قال : كان أسامة يركب إلى مال له بوادي القرى ، فيصوم الاثنين والخميس في الطريق .

                                                                                      فقلت له : تصوم الاثنين والخميس في السفر ، وقد كبرت وضعفت ، أو رققت ! فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصوم الاثنين والخميس ، وقال : إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس .

                                                                                      يونس بن بكير : حدثنا ابن إسحاق ، عن بن ابن أسامة بن زيد ، عن جده أسامة ، قال : كنت أصوم شهرا من السنة ، فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : أين أنت عن شوال .

                                                                                      فكان أسامة إذا أفطر ، أصبح الغد صائما من شوال ، حتى يتم على [ ص: 507 ] آخره .

                                                                                      ابن أبي الدنيا : أخبرنا عمرو بن بكير ، عن أبي عبد الرحمن الطائي ، قال : قدم أسامة على معاوية ، فأجلسه معه ، وألطفه ، فمد رجله . فقال معاوية : يرحم الله أم أيمن ، كأني أنظر إلى ظنبوب ساقها بمكة ، كأنه ظنبوب نعامة خرجاء . فقال : فعل الله بك يا معاوية ، هي - والله- خير منك ! قال : يقول معاوية : اللهم غفرا .

                                                                                      الظنبوب : هو العظم الظاهر . والخرجاء : فيها بياض وسواد .

                                                                                      له في " مسند " بقي مائة وثمانية عشر حديثا ، منها في البخاري ومسلم خمسة عشر . وفي البخاري حديث . وفي مسلم حديثان .

                                                                                      قال الزهري : مات أسامة بالجرف .

                                                                                      وعن المقبري ، قال : شهدت جنازة أسامة ، فقال ابن عمر : عجلوا بحب رسول الله قبل أن تطلع الشمس .

                                                                                      قال ابن سعد : مات في آخر خلافة معاوية .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية