الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الخلال : أخبرنا علي بن عبد الصمد الطيالسي قال : مسحت يدي على أحمد بن حنبل ، وهو ينظر ، فغضب ، وجعل ينفض يده ويقول : عمن أخذتم هذا .

                                                                                      وقال خطاب بن بشر : سألت أحمد بن حنبل عن شيء من الورع ، فتبين [ ص: 226 ] الاغتمام عليه إزراء على نفسه .

                                                                                      وقال المروذي : سمعت أبا عبد الله ذكر أخلاق الورعين ، فقال : أسأل الله أن لا يمقتنا . أين نحن من هؤلاء ؟ !! .

                                                                                      قال الأبار : سمعت رجلا سأل أحمد بن حنبل قال : حلفت بيمين لا أدري أيش هي ؟ فقال : ليتك إذا دريت دريت أنا .

                                                                                      قال إبراهيم الحربي : كان أحمد يجيب في العرس والختان ، ويأكل . وذكر غيره أن أحمد ربما استعفى من الإجابة . وكان إن رأى إناء فضة أو منكرا ، خرج . وكان يحب الخمول والانزواء عن الناس ، ويعود المريض ، وكان يكره المشي في الأسواق ، ويؤثر الوحدة .

                                                                                      قال أبو العباس السراج : سمعت فتح بن نوح ، سمعت أحمد بن حنبل يقول : أشتهي ما لا يكون ، أشتهي مكانا لا يكون فيه أحد من الناس .

                                                                                      وقال الميموني : قال أحمد : رأيت الخلوة أروح لقلبي .

                                                                                      قال المروذي : قال لي أحمد : قل لعبد الوهاب : أخمل ذكرك; فإني أنا قد بليت بالشهرة .

                                                                                      وقال محمد بن الحسن بن هارون : رأيت أبا عبد الله إذا مشى في الطريق ، يكره أن يتبعه أحد .

                                                                                      قلت : إيثار الخمول والتواضع ، وكثرة الوجل من علامات التقوى والفلاح .

                                                                                      قال صالح بن أحمد : كان أبي إذا دعا له رجل ، يقول : الأعمال بخواتيمها . [ ص: 227 ]

                                                                                      وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : وددت أني نجوت من هذا الأمر كفافا لا علي ولا لي .

                                                                                      وعن المروذي قال : أدخلت إبراهيم الحصري على أبي عبد الله - وكان رجلا صالحا - فقال : إن أمي رأت لك مناما ، هو كذا وكذا . وذكرت الجنة ، فقال : يا أخي ، إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا .

                                                                                      وخرج إلى سفك الدماء . وقال : الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره .

                                                                                      قال المروذي : بال أبو عبد الله في مرض الموت دما عبيطا ، فأريته الطبيب ، فقال : هذا رجل قد فتت الغم أو الخوف جوفه .

                                                                                      وروي عن المروذي قال : قلت لأحمد : كيف أصبحت ؟ قال : كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرائض ، ونبيه يطالبه بأداء السنة ، والملكان يطلبانه بتصحيح العمل ، ونفسه تطالبه بهواها ، وإبليس يطالبه بالفحشاء ، وملك الموت يراقب قبض روحه ، وعياله يطالبونه بالنفقة ؟ !

                                                                                      الخلال : أخبرنا المروذي قال : مررت وأبو عبد الله متوكئ على يدي فاستقبلتنا امرأة بيدها طنبور ، فأخذته فكسرته ، وجعلت أدوسه ، وأبو عبد الله واقف منكس الرأس . فلم يقل شيئا ، وانتشر أمر الطنبور . فقال أبو عبد الله : ما علمت أنك كسرت طنبورا إلى الساعة .

                                                                                      قال الميموني : قال لي القاضي محمد بن محمد بن إدريس الشافعي : قال لي أحمد : أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم سحرا .

                                                                                      وعن إبراهيم بن هانئ النيسابوري قال : كان أبو عبد الله حيث توارى من السلطان عندي وذكر من اجتهاده في العبادة أمرا عجبا . قال : وكنت لا أقوى معه على العبادة ، أفطر يوما واحدا ، واحتجم . [ ص: 228 ]

                                                                                      قال الخلال : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا العباس بن أبي طالب : سمعت إبراهيم بن شماس قال : كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام وهو يحيي الليل .

                                                                                      قال عمر بن محمد بن رجاء : حدثنا عبد الله بن أحمد قال : لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي ، فكان كثير المذاكرة له ; فسمعت أبي يوما يقول : ما صليت اليوم غير الفريضة . استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي .

                                                                                      وعن عبد الله بن أحمد قال : كان في دهليزنا دكان ، إذا جاء من يريد أبي أن يخلو معه ، أجلسه ثم ، وإذا لم يرد ، أخذ بعضادتي الباب ، وكلمه . فلما كان ذات يوم ، جاء إنسان ، فقال لي : قل : أبو إبراهيم السائح . قال : فقال أبي : سلم عليه ، فإنه من خيار المسلمين . فسلمت عليه ، فقال له أبي : حدثني يا أبا إبراهيم . قال : خرجت إلى موضع ، فأصابتني علة ، فقلت : لو تقربت إلى الدير لعل من فيه من الرهبان يداويني .

                                                                                      فإذا بسبع عظيم يقصدني ، فاحتملني على ظهره حتى ألقاني عند الدير .

                                                                                      فشاهد الرهبان ذلك فأسلموا كلهم . وهم أربعمائة . ثم قال لأبي : حدثني يا أبا عبد الله . فقال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا أحمد ، حج ، فانتبهت ، وجعلت في المزود فتيتا ، وقصدت نحو الكوفة ، فلما تقضى بعض النهار ، إذا أنا بالكوفة فدخلت الجامع ، فإذا أنا بشاب حسن الوجه ، طيب الريح . فسلمت وكبرت ، فلما فرغت من صلاتي ، قلت : هل بقي من يخرج إلى الحج ؟ فقال : انتظر حتى يجيء أخ من إخواننا ، فإذا أنا برجل في مثل حالي . فلم نزل نسير ، فقال له الذي معي : رحمك الله ، ارفق بنا . فقال الشاب : إن كان معنا أحمد بن حنبل ، فسوف يرفق بنا . فوقع في نفسي أنه الخضر ، فقلت للذي معي : هل لك في الطعام ؟ فقال : كل مما [ ص: 229 ] تعرف ، وآكل مما أعرف . فلما أكلنا ، غاب الشاب . ثم كان يرجع بعد فراغنا . فلما كان بعد ثلاث ، إذا نحن بمكة .

                                                                                      هذه حكاية منكرة .

                                                                                      قال القاضي أبو يعلى : نقلت من خط أبي إسحاق بن شاقلا : أخبرني عمر بن علي ، حدثنا جعفر الرزاز جارنا ، سمعت أبا جعفر محمد بن المولى ، سمعت عبد الله فذكرها . فلعلها من وضع الرزاز .

                                                                                      أنبئونا عن ابن الجوزي ، أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق ، حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي ، حدثنا أبو جعفر محمد بن يعقوب الصفار قال : كنا عند أحمد بن حنبل ، فقلت : ادع الله لنا . فقال : اللهم إنك تعلم أنك لنا على أكثر مما نحب ، فاجعلنا لك على ما تحب . اللهم إنا نسألك بالقدرة التي قلت للسموات والأرض : ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين اللهم وفقنا لمرضاتك ، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك .

                                                                                      رواتها أئمة إلى الصفار ، ولا أعرفه . وهي منكرة .

                                                                                      أخبرنا عمر بن القواس ، عن الكندي ، أخبرنا الكروخي ، أخبرنا شيخ الإسلام الأنصاري ، أخبرنا أبو يعقوب ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر : سمعت الرمادي ، سمعت عبد الرزاق ، وذكر أحمد ، فدمعت عينه . وقال : قدم وبلغني أن نفقته نفدت ، فأخذت عشرة دنانير ، وعرضتها عليه ، فتبسم ، وقال : يا أبا بكر ، لو قبلت شيئا من الناس ، قبلت منك . ولم يقبل مني ، شيئا .

                                                                                      الخلال : أخبرني أبو غالب علي بن أحمد ، حدثني صالح بن أحمد ، [ ص: 230 ] قال : جاءتني حسن ، فقالت : قد جاء رجل بتليسة فيها فاكهة يابسة ، وبكتاب . فقمت فقرأت الكتاب ، فإذا فيه : يا أبا عبد الله ، أبضعت ، لك بضاعة إلى سمرقند ، فربحت ، فبعثت بذلك إليك أربعة آلاف ، وفاكهة أنا لقطتها من بستاني ورثته من أبي . قال : فجمعت الصبيان ودخلنا ، فبكيت وقلت : يا أبة ، ما ترق لي من أكل الزكاة ؟ ثم كشف عن رأس الصبية ، وبكيت . فقال : من أين علمت ؟ دع حتى أستخير الله الليلة . قال : فلما كان من الغد . قال : استخرت الله ، فعزم لي أن لا آخذها . وفتح التليسة ففرقها على الصبيان . وكان عنده ثوب عشاري ، فبعث به إلى الرجل ، ورد المال .

                                                                                      عبد الله بن أحمد : سمعت فوران يقول : مرض أبو عبد الله ، فعاده الناس ، يعني : قبل المائتين . وعاده علي بن الجعد ، فترك عند رأسه صرة ، فقلت له عنها ، فقال : ما رأيت . اذهب فردها إليه .

                                                                                      أبو بكر بن شاذان : حدثنا أبو عيسى أحمد بن يعقوب ، حدثتني فاطمة بنت أحمد بن حنبل ، قالت : وقع الحريق ، في بيت أخي صالح ، وكان ، قد تزوح بفتية ، فحملوا إليه جهازا شبيها بأربعة آلاف دينار ، فأكلته النار فجعل صالح يقول : ما غمني ما ذهب إلا ثوب لأبي . كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه . قالت : فطفئ الحريق ، ودخلوا فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حوله وسلم .

                                                                                      قال ابن الجوزي : وبلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي أنه حكى أن الحريق وقع في دارهم ، فأحرق ما فيها إلا كتابا كان فيه شيء بخط الإمام أحمد . قال : ولما وقع الغرق ببغداد في سنة 554 ، وغرقت [ ص: 231 ] كتبي ، سلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام .

                                                                                      قلت : وكذا استفاض وثبت أن الغرق الكائن بعد العشرين وسبعمائة ببغداد عام على مقابر مقبرة أحمد ، وأن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ، ووقف بقدرة الله ، وبقيت الحصر حول قبر الإمام بغبارها ، وكان ذلك آية .

                                                                                      أبو طالب : حدثنا المروذي : سمعت مجاهد بن موسى يقول : رأيت أحمد ، وهو حدث ، وما في وجهه طاقة ، وهو يذكر .

                                                                                      وروى حرمي بن يونس ، عن أبيه : رأيت أحمد أيام هشيم وله قدر .

                                                                                      قال أحمد بن سعيد الرباطي : سمعت أحمد بن حنبل يقول : أخذنا هذا العلم بالذل ، فلا ندفعه إلا بالذل .

                                                                                      محمد بن صالح بن هانئ : حدثنا أحمد بن شهاب الإسفراييني : سمعت أحمد بن حنبل ، وسئل عمن نكتب في طريقنا ، فقال : عليكم بهناد ، وبسفيان بن وكيع ، وبمكة ابن أبي عمر ، وإياكم أن تكتبوا ، يعني : عن أحد من أصحاب الأهواء ، قليلا ولا كثيرا . عليكم بأصحاب الآثار والسنن .

                                                                                      عبد الله بن أحمد : كتب إلي الفتح بن شخرف أنه سمع موسى بن حزام الترمذي يقول : كنت أختلف إلى أبي سليمان الجوزجاني في كتب محمد ، فاستقبلني أحمد بن حنبل ، فقال : إلى أين ؟ قلت : إلى أبي سليمان . فقال : العجب منكم ! تركتم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيد عن حميد ، عن أنس ، وأقبلتم على ثلاثة إلى أبي حنيفة - رحمه الله - أبو سليمان ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عنه! قال : فانحدرت إلى يزيد بن هارون . ابن عدي : أخبرنا عبد الملك بن محمد ، حدثنا صالح بن أحمد : [ ص: 232 ] سمعت أبي ، يقول : والله لقد أعطيت المجهود من نفسي ، ولوددت أني أنجو كفافا .

                                                                                      الحاكم : حدثنا أبو علي الحافظ ، سمعت محمد بن المسيب ، سمعت زكريا بن يحيى الضرير يقول : قلت لأحمد بن حنبل : كم يكفي الرجل من الحديث حتى يكون مفتيا ؟ يكفيه مائة ألف ؟ فقال : لا . إلى أن قال : فيكفيه خمسمائة ألف حديث ؟ قال : أرجو .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية