الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبد الله بن صالح ( خ ، د ، ت ، ق )

                                                                                      ابن محمد بن مسلم ، الإمام ، المحدث ، شيخ المصريين أبو صالح الجهني مولاهم المصري ، كاتب الليث بن سعد .

                                                                                      قد شرحت حاله في " ميزان الاعتدال " وليناه . وبكل حال ، فكان صدوقا في نفسه ، من أوعية العلم ، أصابه داء شيخه ابن لهيعة ، وتهاون بنفسه حتى ضعف حديثه ، ولم يترك بحمد الله ، والأحاديث التي نقموها عليه معدودة في سعة ما روى .

                                                                                      مولده في سنة سبع وثلاثين ومائة .

                                                                                      ورأى زبان بن فائد ، وعمرو بن الحارث ، وسمع من : موسى بن علي بن رباح ، ومعاوية بن صالح ، ويحيى بن أيوب ، وعبد العزيز بن الماجشون ، والليث بن سعد ، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي ، ونافع بن يزيد ، وضمام بن إسماعيل ، وابن وهب ، وخلق سواهم .

                                                                                      [ ص: 406 ] ولازم الليث ، فأكثر عنه وحمل عنه تصانيفه ، وكان كاتبا له على أمواله

                                                                                      حدث عنه : الليث شيخه ، ويحيى بن معين ، والبخاري وأبو حاتم ، وأبو إسحاق الجوزجاني ، وإسماعيل سمويه ، وحميد بن زنجويه ، وأبو محمد الدارمي وعثمان الدارمي ، وأبو زرعة الدمشقي ، ومحمد بن إسماعيل الترمذي ، وإبراهيم بن ديزيل ، وعدد كثير ، خاتمتهم محمد بن عثمان بن أبي السوار المصري المتوفى سنة 297 .

                                                                                      قال إبراهيم بن ديزيل : حدثنا خلف بن الوليد أبو المهنى ، حدثنا الليث بن سعد ، عن عبد الله بن صالح ، عمن أخبره ، يرفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما أعطي أحد الشكر ، فمنع الزيادة " الحديث .

                                                                                      قال ابن ديزيل : ثم لقيت أبا صالح فقال : أنا حدثت الليث بهذا .

                                                                                      قلت : فمن حدثك ؟ قال : يحيى بن عطارد بن مصعب ، عن أبيه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      قلت : وهو مرسل ، لا ، بل معضل .

                                                                                      استشهد البخاري في " صحيحه " بأبي صالح ، بل قد روى عنه حديثا وقال : حدثني عبد الله بن صالح ، وهذا ثابت في بعض النسخ [ ص: 407 ] المتقنة ، فقال في أول الحديث : قال الليث حدثنا جعفر بن ربيعة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة بحديث الذي استدان من رجل ألف دينار ، فقال : ائتني بكفيل ، قال : كفى بالله وكيلا والحديث مشهور ، علقه البخاري في غير موضع .

                                                                                      وقد استشكل المحدثون قبلنا في تفسير الفتح من " الصحيح " : حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو ، فذكر حديث : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا .

                                                                                      [ ص: 408 ] فقال أبو نصر الكلاباذي ، والوليد بن بكر الأندلسي ، وهبة الله اللالكائي : عبد الله هذا هو عبد الله بن صالح العجلي الكوفي .

                                                                                      وقال أبو علي بن السكن في روايته الصحيح عن الفربري ، عن البخاري ، حدثنا عبد الله بن مسلمة - يعني القعنبي - حدثنا عبد العزيز . . فذكره .

                                                                                      وقال أبو مسعود الحافظ في " الأطراف " : عبد الله هو عبد الله بن رجاء ، ثم قال : والحديث عند عبد الله بن رجاء ، وعند عبد الله بن صالح .

                                                                                      وقال أبو علي الغساني الحافظ بل هو عبد الله بن صالح كاتب الليث .

                                                                                      [ ص: 409 ] قال لنا أبو الحجاج الحافظ : وهذا أولى الأقوال بالصواب ، قال : لأن البخاري رواه في كتاب " الأدب " في باب الانبساط إلى الناس ، فقال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن عبد العزيز . ذكره عقيب حديث محمد بن سنان العوقي ، عن فليح ، عن هلال . ورواه في البيوع من " الجامع الصحيح " عن العوقي . فالحديث عند البخاري عن الرجلين في " الأدب " وفي " الصحيح " . . .

                                                                                      إلى أن قال : فإذا تقرر أنه سمعه من الرجلين ، وقع الاشتراك في قوله : حدثنا عبد الله بن صالح بين العجلي الكوفي ، وبين الجهني الكاتب ، فكونه الكاتب أولى ، لأنا تيقنا أن البخاري قد سمع من كاتب الليث ، وأكثر عنه في " تاريخه " وفي أماكن ، وهذا معدوم في حق العجلي ، فإن البخاري ذكر له ترجمة صغيرة مختصرة جدا في " تاريخه " لم يرو عنه فيها شيئا ، ولا وجدنا أبدا له رواية متيقنة عنه لا في " الصحيح " ولا في شيء من تواليفه ، بل قد روى في " تاريخه " عن رجل عنه . نعم ولم نجد للعجلي رواية عن عبد العزيز بن أبي سلمة سوى حديث واحد ، متنه : " الظلم ظلمات " رواه عنه إبراهيم الحربي بخلاف كاتب الليث ، فإنه مكثر عن ابن أبي سلمة .

                                                                                      [ ص: 410 ] قلت : وأيضا فإن غير واحد روى الحديث المذكور عن كاتب الليث ، فتعين أنه هو .

                                                                                      وفي الجهاد من " الصحيح " أيضا : حدثنا عبد الله ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن صالح بن كيسان ، عن سالم ، عن أبيه قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قفل من حج . . وذكر الحديث .

                                                                                      فقال أبو علي بن السكن : حدثنا الفربري : حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن يوسف فذكر . . رواه ابن السكن في " مصنفه " .

                                                                                      وقال أبو مسعود في " الأطراف " : هذا الحديث يرويه الناس عن عبد الله بن صالح . قال : وقد روي أيضا عن عبد الله بن رجاء ، فالله أعلم أيهما هو .

                                                                                      وقال الغساني : بل هو كاتب الليث .

                                                                                      قال ابن حبان : كان أبو صالح كاتبا على مغل الليث ، منكر الحديث جدا ، وكان في نفسه صدوقا ، سمعت ابن خزيمة يقول : كان له جار يعاديه ، فكان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ، ويكتب في [ ص: 411 ] قرطاس بخط يشبه خط عبد الله ، ويطرحه في داره بين الكتب ، فيجده عبد الله ، فيحدث به على التوهم أنه خطه .

                                                                                      ثم قال ابن حبان : روى عبد الله بن صالح ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن سعيد ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات ، وغزوة لمن حج خير من عشر حجج ، وغزوة في البحر خير من عشرة في البر " حدثناه أبو عروبة ، حدثنا علي بن إبراهيم بن عزون ، حدثنا عبد الله .

                                                                                      ثم قال : وروى عن الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن شفي الأصبحي ، سمع عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يكون خلفي اثنا عشر خليفة : أبو بكر لا يلبث إلا قليلا ، وصاحب رحا دارة العرب عمر . . " وذكر الحديث حدثناه أحمد بن الحسن الصوفي ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا عبد الله .

                                                                                      قلت : قرأت على أحمد بن المؤيد بمصر ، أخبرنا أحمد بن صرما ، وابن عبد السلام ، قالا : أخبرنا محمد بن عمر ، أخبرنا أبو الحسين بن [ ص: 412 ] النقور ، أخبرنا علي بن عمر الحربي ، حدثنا الصوفي ، فذكره بتمامه .

                                                                                      فأنا أتعجب من أبي زكريا ونقده ، كيف يستحل رواية مثل هذا ، ويسكت عن توهيته ؟ !

                                                                                      وساق له ابن حبان وابن عدي جماعة أحاديث تفرد بها منكرة .

                                                                                      وقال أبو محمد بن أبي حاتم : عبد الله بن صالح ، روى عنه الليث ، وابن وهب ، ودحيم .

                                                                                      وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : سمعت أبي وسئل عن عبد الله بن صالح ، فقال : أتسألوني عن أقرب رجل إلى الليث ؟ رجل معه في ليله ونهاره ، وسفره وحضره ، ويخلو معه غالبا ، فلا ينكر لمثله أن يكثر عن الليث .

                                                                                      وقال أبي أبو حاتم : هو أمين صدوق ما علمته . وأثنى على عبد الله سعيد بن عفير عالم مصر .

                                                                                      وقال عبد الملك بن شعيب بن الليث : هو ثقة مأمون ، سمع من جدي حديثه ، وكان أبي يحضه على التحديث .

                                                                                      [ ص: 413 ] وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عنه ، فقال : فسد بأخرة ، وليس بشيء .

                                                                                      وقال أبو حاتم : سمعت ابن معين يقول : أقل الأحوال أنه قرأ هذه الكتب على الليث ، فأجازها له ، ويمكن أن يكون ابن أبي ذئب كتب إلى الليث بهذا الدرج .

                                                                                      قال أحمد بن صالح : لا أعلم أحدا روى عن الليث عن ابن أبي ذئب إلا أبا صالح ، وذكر أن أبا صالح أخرج درجا قد ذهب أعلاه ، ولم يدر حديث من هو ، فقيل له : حديث ابن أبي ذئب ، فروى عن الليث عن ابن أبي ذئب .

                                                                                      وقال صالح جزرة : كان يحيى بن معين يوثقه ، وعندي أنه كان يكذب في الحديث .

                                                                                      وقال النسائي : ليس بثقة .

                                                                                      وروى إسماعيل بن عبد الله ، عن عبد الله بن صالح قال : صحبت [ ص: 414 ] الليث عشرين سنة .

                                                                                      قال الفضل بن محمد الشعراني : ما رأيت عبد الله بن صالح إلا وهو يحدث أو يسبح .

                                                                                      وقال يعقوب الفسوي : حدثنا الرجل الصالح عبد الله بن صالح الرمادي ، عن أبي صالح : شهدنا الأضحى ببغداد مع الليث في سنة إحدى وستين ومائة .

                                                                                      وقال علي بن المديني : ضربت على حديث كاتب الليث ، ولا أروي عنه شيئا .

                                                                                      وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : حديث " إن الله اختار أصحابي " موضوع ، والحمل فيه على أبي صالح .

                                                                                      قلت : ومن أنكر ما نقموا على أبي صالح روايته عن نافع بن يزيد ، عن زهرة بن معبد ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر مرفوعا : " إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين " الحديث بطوله ، لكن قد تابعه عليه سعيد بن أبي مريم ، عن نافع ، رواه علي بن داود القنطري ، [ ص: 415 ] ومحمد بن الحارث العسكري ، عن ابن أبي مريم ، فتخلص أبو صالح .

                                                                                      وقال أبو زرعة الرازي وغيره : هو من وضع خالد بن نجيح المصري ، وكان يضع في كتب الشيوخ .

                                                                                      قلت : لعله أدخله على نافع بن يزيد مع أن نافعا صدوق ، قد احتج به مسلم .

                                                                                      قال أبو أحمد بن عدي : أبو صالح عندي مستقيم الحديث إلا أنه يقع في حديثه غلط ، ولا يتعمد الكذب .

                                                                                      نقل ابن يونس وغيره موت أبي صالح في يوم عاشوراء سنة ثلاث وعشرين ومائتين .

                                                                                      قلت : قد كان قارب التسعين - رحمه الله ، وهو في عقلي أقوى من نعيم بن حماد ، وأسيد الجمال ، وما هو بدون إسماعيل بن أبي أويس الأصبحي .

                                                                                      أنبئت عن جماعة ، عن أبي علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا الطبراني ، حدثنا مطلب بن شعيب ، وبكر بن سهل قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، حدثنا العلاء بن الحارث ، عن [ ص: 416 ] مكحول : أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الجهاد واجب عليكم مع كل بر وفاجر ، وإن هو عمل الكبائر ، والصلاة واجبة عليكم على كل مسلم يموت ، برا كان أو فاجرا ، وإن هو عمل الكبائر " .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية