فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=11467أسباب شرح الصدور وحصولها على الكمال له صلى الله عليه وسلم
فأعظم
nindex.php?page=treesubj&link=32487_28656أسباب شرح الصدر : التوحيد ، وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه . قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) [ الزمر 22 ] . وقال تعالى
[ ص: 23 ] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) [ الأنعام 125 ] .
فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر ، والشرك والضلال من أعظم
nindex.php?page=treesubj&link=28675أسباب ضيق الصدر وانحراجه ، ومنها : النور الذي يقذفه الله في قلب العبد ، وهو نور الإيمان ، فإنه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب . فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج ، وصار في أضيق سجن وأصعبه .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في " جامعه " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000841إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح . قالوا : وما علامة ذلك يا رسول الله ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله ) . فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور ، وكذلك النور الحسي ، والظلمة الحسية ، هذه تشرح الصدر ، وهذه تضيقه .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=18467العلم ، فإنه يشرح الصدر ، ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا ، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس ، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع ، وليس هذا لكل علم ، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو العلم النافع ، فأهله أشرح الناس صدرا ، وأوسعهم قلوبا ، وأحسنهم أخلاقا ، وأطيبهم عيشا .
ومنها : الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ، ومحبته بكل القلب والإقبال عليه والتنعم بعبادته ، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك . حتى إنه ليقول أحيانا : إن
[ ص: 24 ] كنت في الجنة في مثل هذه الحالة فإني إذا في عيش طيب .
وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب ، لا يعرفه إلا من له حس به ، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح ، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن ، فرؤيتهم قذى عينه ، ومخالطتهم حمى روحه .
ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى ، وتعلق القلب بغيره ، والغفلة عن ذكره ، ومحبة سواه ، فإن من أحب شيئا غير الله عذب به ، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير ، فما في الأرض أشقى منه ، ولا أكسف بالا ، ولا أنكد عيشا ، ولا أتعب قلبا ، فهما محبتان ، محبة هي جنة الدنيا ، وسرور النفس ، ولذة القلب ، ونعيم الروح وغذاؤها ودواؤها ، بل حياتها وقرة عينها ، وهي محبة الله وحده بكل القلب ، وانجذاب قوى الميل والإرادة ، والمحبة كلها إليه .
ومحبة هي عذاب الروح ، وغم النفس ، وسجن القلب ، وضيق الصدر ، وهي سبب الألم والنكد والعناء ، وهي محبة ما سواه سبحانه .
ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال ، وفي كل موطن ، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب ، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=19799الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان ، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا ، وأطيبهم نفسا ، وأنعمهم قلبا ، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا ، وأنكدهم عيشا ، وأعظمهم هما وغما . وقد (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000842ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد ، كلما هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت حتى يجر ثيابه ويعفي أثره ، وكلما هم البخيل [ ص: 25 ] بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها ولم تتسع عليه ) فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق ، وانفساح قلبه ، ومثل ضيق صدر البخيل ، وانحصار قلبه .
ومنها الشجاعة ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=19512الشجاع منشرح الصدر ، واسع البطان ، متسع القلب ، والجبان أضيق الناس صدرا ، وأحصرهم قلبا ، لا فرحة له ولا سرور ، ولا لذة له ، ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي ، وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها فمحرم على كل جبان ، كما هو محرم على كل بخيل ، وعلى كل معرض عن الله سبحانه ، غافل عن ذكره ، جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه ، متعلق القلب بغيره .
وإن هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضا وجنة ، وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذابا وسجنا .
فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيما وعذابا ، وسجنا وانطلاقا ، ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض ، ولا بضيق صدر هذا لعارض ، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها ، وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه ، فهي الميزان ، والله المستعان .
ومنها بل من أعظمها : إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي
[ ص: 26 ] توجب ضيقه وعذابه ، وتحول بينه وبين حصول البرء ، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره ، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه ، لم يحظ من انشراح صدره بطائل ، وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه ، وهو للمادة الغالبة عليه منهما .
ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=19137_18925_19080_27141_19308_19251_24389ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم ، فإن هذه الفضول تستحيل آلاما وغموما وهموما في القلب ، تحصره وتحبسه وتضيقه ويتعذب بها ، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها ، فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم ، وما أنكد عيشه ، وما أسوأ حاله ، وما أشد حصر قلبه ، ولا إله إلا الله ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم ، وكانت همته دائرة عليها ، حائمة حولها ، فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=13إن الأبرار لفي نعيم ) [ الانفطار 13 ] ، ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=14وإن الفجار لفي جحيم ) [ الانفطار 14 ] ، وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى .
والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر ، واتساع القلب ، وقرة العين ، وحياة الروح ، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي ، وأكمل الخلق متابعة له ، أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين ، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال ، فهو صلى الله عليه وسلم في ذروة الكمال من شرح الصدر ورفع الذكر ووضع الوزر ، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتباعه ، والله المستعان .
وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم ، وعصمته إياهم ، ودفاعه عنهم ، وإعزازه لهم ، ونصره لهم ، بحسب نصيبهم من المتابعة ، فمستقل ومستكثر . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا
[ ص: 27 ] نفسه.
فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=11467أَسْبَابِ شَرْحِ الصُّدُورِ وَحُصُولِهَا عَلَى الْكَمَالِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَعْظَمُ
nindex.php?page=treesubj&link=32487_28656أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ : التَّوْحِيدُ ، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) [ الزُّمَرِ 22 ] . وَقَالَ تَعَالَى
[ ص: 23 ] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) [ الْأَنْعَامِ 125 ] .
فَالْهُدَى وَالتَّوْحِيدُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ ، وَالشِّرْكُ وَالضَّلَالُ مِنْ أَعْظَمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28675أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ وَانْحِرَاجِهِ ، وَمِنْهَا : النُّورُ الَّذِي يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ ، وَهُوَ نُورُ الْإِيمَانِ ، فَإِنَّهُ يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيُوَسِّعُهُ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ . فَإِذَا فُقِدَ هَذَا النُّورُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ ضَاقَ وَحَرَجَ ، وَصَارَ فِي أَضْيَقِ سِجْنٍ وَأَصْعَبِهِ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي فِي " جَامِعِهِ " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000841إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْفَسَحَ وَانْشَرَحَ . قَالُوا : وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ ) . فَيُصِيبُ الْعَبْدَ مِنِ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِحَسَبِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا النُّورِ ، وَكَذَلِكَ النُّورُ الْحِسِّيُّ ، وَالظُّلْمَةُ الْحِسِّيَّةُ ، هَذِهِ تَشْرَحُ الصَّدْرَ ، وَهَذِهِ تُضَيِّقُهُ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=18467الْعِلْمُ ، فَإِنَّهُ يَشْرَحُ الصَّدْرَ ، وَيُوَسِّعُهُ حَتَّى يَكُونَ أَوْسَعَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَالْجَهْلُ يُورِثُهُ الضِّيقَ وَالْحَصْرَ وَالْحَبْسَ ، فَكُلَّمَا اتَّسَعَ عِلْمُ الْعَبْدِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَاتَّسَعَ ، وَلَيْسَ هَذَا لِكُلِّ عِلْمٍ ، بَلْ لِلْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ ، فَأَهْلُهُ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا ، وَأَوْسَعُهُمْ قُلُوبًا ، وَأَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا ، وَأَطْيَبُهُمْ عَيْشًا .
وَمِنْهَا : الْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَمَحَبَّتُهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَالتَّنَعُّمُ بِعِبَادَتِهِ ، فَلَا شَيْءَ أَشْرَحُ لِصَدْرِ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ . حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ أَحْيَانًا : إِنْ
[ ص: 24 ] كُنْتُ فِي الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنِّي إِذًا فِي عَيْشٍ طَيِّبٍ .
وَلِلْمَحَبَّةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَطِيبِ النَّفْسِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ ، لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ لَهُ حِسٌّ بِهِ ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ أَقْوَى وَأَشَدَّ كَانَ الصَّدْرُ أَفْسَحَ وَأَشْرَحَ ، وَلَا يَضِيقُ إِلَّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَطَّالِينَ الْفَارِغِينَ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ ، فَرُؤْيَتُهُمْ قَذَى عَيْنِهِ ، وَمُخَالَطَتُهُمْ حُمَّى رُوحِهِ .
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ الْإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ ، وَمَحَبَّةُ سِوَاهُ ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ ، فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ ، وَلَا أَكْسَفُ بَالًا ، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا ، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا ، فَهُمَا مَحَبَّتَانِ ، مَحَبَّةٌ هِيَ جَنَّةُ الدُّنْيَا ، وَسُرُورُ النَّفْسِ ، وَلَذَّةُ الْقَلْبِ ، وَنَعِيمُ الرُّوحِ وَغِذَاؤُهَا وَدَوَاؤُهَا ، بَلْ حَيَاتُهَا وَقُرَّةُ عَيْنِهَا ، وَهِيَ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَحْدَهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ ، وَانْجِذَابُ قُوَى الْمَيْلِ وَالْإِرَادَةِ ، وَالْمَحَبَّةُ كُلُّهَا إِلَيْهِ .
وَمَحَبَّةٌ هِيَ عَذَابُ الرُّوحِ ، وَغَمُّ النَّفْسِ ، وَسِجْنُ الْقَلْبِ ، وَضِيقُ الصَّدْرِ ، وَهِيَ سَبَبُ الْأَلَمِ وَالنَّكَدِ وَالْعَنَاءِ ، وَهِيَ مَحَبَّةُ مَا سِوَاهُ سُبْحَانَهُ .
وَمِنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ ، فَلِلذِّكْرِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ ، وَلِلْغَفْلَةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي ضِيقِهِ وَحَبْسِهِ وَعَذَابِهِ .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=19799الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالنَّفْعِ بِالْبَدَنِ وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا ، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا ، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا ، وَالْبَخِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِحْسَانٌ أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا ، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا ، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا . وَقَدْ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000842ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ مَثَلًا لِلْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيُنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ ، كُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ حَتَّى يَجُرَّ ثِيَابَهُ وَيُعْفِيَ أَثَرَهُ ، وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ [ ص: 25 ] بِالصَّدَقَةِ لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا وَلَمْ تَتَّسِعْ عَلَيْهِ ) فَهَذَا مَثَلُ انْشِرَاحِ صَدْرِ الْمُؤْمِنِ الْمُتَصَدِّقِ ، وَانْفِسَاحِ قَلْبِهِ ، وَمَثَلُ ضِيقِ صَدْرِ الْبَخِيلِ ، وَانْحِصَارِ قَلْبِهِ .
وَمِنْهَا الشَّجَاعَةُ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19512الشُّجَاعَ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ ، وَاسِعُ الْبِطَانِ ، مُتَّسِعُ الْقَلْبِ ، وَالْجَبَانُ أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا ، وَأَحْصَرُهُمْ قَلْبًا ، لَا فَرْحَةٌ لَهُ وَلَا سُرُورٌ ، وَلَا لَذَّةٌ لَهُ ، وَلَا نَعِيمٌ إِلَّا مِنْ جِنْسِ مَا لِلْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ ، وَأَمَّا سُرُورُ الرُّوحِ وَلَذَّتُهَا وَنَعِيمُهَا وَابْتِهَاجُهَا فَمُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ جَبَانٍ ، كَمَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ بَخِيلٍ ، وَعَلَى كُلِّ مُعْرِضٍ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، غَافِلٍ عَنْ ذِكْرِهِ ، جَاهِلٍ بِهِ وَبِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَدِينِهِ ، مُتَعَلِّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ .
وَإِنَّ هَذَا النَّعِيمَ وَالسُّرُورَ يَصِيرُ فِي الْقَبْرِ رِيَاضًا وَجَنَّةً ، وَذَلِكَ الضِّيقُ وَالْحَصْرُ يَنْقَلِبُ فِي الْقَبْرِ عَذَابًا وَسِجْنًا .
فَحَالُ الْعَبْدِ فِي الْقَبْرِ كَحَالِ الْقَلْبِ فِي الصَّدْرِ نَعِيمًا وَعَذَابًا ، وَسِجْنًا وَانْطِلَاقًا ، وَلَا عِبْرَةَ بِانْشِرَاحِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ ، وَلَا بِضِيقِ صَدْرِ هَذَا لِعَارِضٍ ، فَإِنَّ الْعَوَارِضَ تَزُولُ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا ، وَإِنَّمَا الْمُعَوَّلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قَامَتْ بِالْقَلْبِ تُوجِبُ انْشِرَاحَهُ وَحَبْسَهُ ، فَهِيَ الْمِيزَانُ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَمِنْهَا بَلْ مِنْ أَعْظَمِهَا : إِخْرَاجُ دَغَلِ الْقَلْبِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي
[ ص: 26 ] تُوجِبُ ضِيقَهُ وَعَذَابَهُ ، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُصُولِ الْبُرْءِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَتَى الْأَسْبَابَ الَّتِي تَشْرَحُ صَدْرَهُ ، وَلَمْ يُخْرِجْ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمَذْمُومَةَ مِنْ قَلْبِهِ ، لَمْ يَحْظَ مِنَ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِطَائِلٍ ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَادَّتَانِ تَعْتَوِرَانِ عَلَى قَلْبِهِ ، وَهُوَ لِلْمَادَّةِ الْغَالِبَةِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا .
وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=19137_18925_19080_27141_19308_19251_24389تَرْكُ فُضُولِ النَّظَرِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالْمُخَالَطَةِ وَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْفُضُولَ تَسْتَحِيلُ آلَامًا وَغُمُومًا وَهُمُومًا فِي الْقَلْبِ ، تَحْصُرُهُ وَتَحْبِسُهُ وَتُضَيِّقُهُ وَيَتَعَذَّبُ بِهَا ، بَلْ غَالِبُ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْهَا ، فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا أَضْيَقَ صَدْرَ مَنْ ضَرَبَ فِي كُلِّ آفَةٍ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ بِسَهْمٍ ، وَمَا أَنْكَدَ عَيْشَهُ ، وَمَا أَسْوَأَ حَالَهُ ، وَمَا أَشَدَّ حَصْرِ قَلْبِهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا أَنْعَمَ عَيْشَ مَنْ ضَرَبَ فِي كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْ تِلْكَ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ بِسَهْمٍ ، وَكَانَتْ هِمَّتُهُ دَائِرَةً عَلَيْهَا ، حَائِمَةً حَوْلَهَا ، فَلِهَذَا نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=13إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ) [ الِانْفِطَارِ 13 ] ، وَلِذَلِكَ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=14وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) [ الِانْفِطَارِ 14 ] ، وَبَيْنَهُمَا مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْمَلَ الْخَلْقِ فِي كُلِّ صِفَةٍ يَحْصُلُ بِهَا انْشِرَاحُ الصَّدْرِ ، وَاتِّسَاعُ الْقَلْبِ ، وَقُرَّةُ الْعَيْنِ ، وَحَيَاةُ الرُّوحِ ، فَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ فِي هَذَا الشَّرْحِ وَالْحَيَاةِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ مَعَ مَا خُصَّ بِهِ مِنَ الشَّرْحِ الْحِسِّيِّ ، وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ مُتَابَعَةً لَهُ ، أَكْمَلُهُمُ انْشِرَاحًا وَلَذَّةً وَقُرَّةَ عَيْنٍ ، وَعَلَى حَسَبِ مُتَابَعَتِهِ يَنَالُ الْعَبْدُ مِنَ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ وَلَذَّةِ رُوحِهِ مَا يَنَالُ ، فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذُرْوَةِ الْكَمَالِ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ وَرَفْعِ الذِّكْرِ وَوَضْعِ الْوِزْرِ ، وَلِأَتْبَاعِهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ اتِّبَاعِهِ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَهَكَذَا لِأَتْبَاعِهِ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ اللَّهِ لَهُمْ ، وَعِصْمَتِهِ إِيَّاهُمْ ، وَدِفَاعِهِ عَنْهُمْ ، وَإِعْزَازِهِ لَهُمْ ، وَنَصْرِهِ لَهُمْ ، بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ الْمُتَابَعَةِ ، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ . فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ . وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا
[ ص: 27 ] نَفْسَهُ.