الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      المهدي

                                                                                      الخليفة أبو عبد الله محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد [ ص: 401 ] ابن علي ، الهاشمي العباسي . مولده بإيذج من أرض فارس ، في سنة سبع وعشرين وقيل : في سنة ست وأمه أم موسى الحميرية .

                                                                                      كان جوادا ممداحا معطاء ، محببا إلى الرعية ، قصابا في الزنادقة ، باحثا عنهم ، مليح الشكل ، قد مر من أخباره في " تاريخي الكبير " . ولما اشتد ، ولاه أبوه مملكة طبرستان ، وقد قرأ العلم ، وتأدب وتميز . غرم أبوه أموالا حتى استنزل ولي العهد ابن أخيه عيسى بن موسى من العهد للمهدي ، ولما مات المنصور ، قام بأخذ البيعة للمهدي الربيع بن يونس الحاجب .

                                                                                      وكان المهدي أسمر مليحا ، مضطرب الخلق ، على عينه بياض ، جعد الشعر ، ونقش خاتمه : الله ثقة محمد وبه نؤمن .

                                                                                      يقطونه : أنبأنا أبو العباس المنصوري ، قال : لما حصلت الخزائن في يد المهدي ، أخذ في رد المظالم ، فأخرج أكثر الذخائر ، ففرقها ، وبر أهله ومواليه ، فقيل : فرق أزيد من مائة ألف ألف .

                                                                                      وقيل : إنه أثني عليه بالشجاعة ، فقال : لم لا أكون شجاعا ؟ وما خفت أحدا إلا الله -تعالى . [ ص: 402 ] وذكر ابن أبي الدنيا أن المهدي كتب إلى الأمصار يزجر أن يتكلم أحد من أهل الأهواء في شيء منها . وعن يوسف الصائغ قال : رفع أهل البدع رءوسهم ، وأخذوا في الجدل ، فأمر بمنع الناس من الكلام ، وأن لا يخاض فيه .

                                                                                      قال داود بن رشيد : هاجت ريح سوداء ، فسمعت سلما الحاجب يقول : فجعنا أن تكون القيامة ، فطلبت المهدي في الإيوان ، فلم أجده ، فإذا هو في بيت ساجد على التراب يقول : اللهم : لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم ، ولا تفجع بنا نبينا ، اللهم إن كنت أخذت العامة بذنبي ، فهذه ناصيتي بيدك . فما أتم كلامه حتى انجلت .

                                                                                      قال الأصمعي : دخل على المهدي شريف ، فوصله ، فقال : يا أمير المؤمنين ! ما أنتهي إلى غاية شكرك ، إلا وجدت وراءها غاية من معروفك ، فما عجز الناس عن بلوغه ، فالله من وراء ذلك .

                                                                                      وعن الربيع : أن المنصور فتح يوما خزائنه مما قبض من خزائن مروان الحمار . فأحصى من ذلك اثني عشر ألف عدل خز ، فأخرج منها ثوبا ، فقال لي : فصل منه جبة ، ولمحمد جبة وقلنسوة . وبخل بإخراج ثوب للمهدي . فلما ولي المهدي ، أمر بذلك كله ، ففرق على الموالي والخدم . وقيل : كان كثير التولية والعزل بغير كبير سبب ، ويباشر الأمور بنفسه ، وأطلق خلقا من السجون ، وزاد في المسجد الحرام وزخرفه . أبو زرعة النصري : حدثنا أبي ، حدثنا أبو خليد ، قال : قال مالك : قال [ ص: 403 ] لي المهدي : يا أبا عبد الله ! لك دار ؟ قلت : لا . فأمر لي ثلاثة آلاف دينار . وقيل : إنه وصل عبد العزيز بن الماجشون بعشرة آلاف دينار . ونقل ابن الأنباري بإسناد : أن المهدي أعطى رجلا مرة مائة ألف دينار . وجوائزه كثيرة من هذا النمط . وأجاز مرة مروان بن أبي حفصة بسبعين ألفا . وليس هذا الإسراف مما يحمد عليه الإمام .

                                                                                      وكان مستهترا بمولاته الخيزران ، وكان غارقا كنحوه من الملوك في بحر اللذات ، واللهو والصيد ، ولكنه خائف من الله ، معاد لأولي الضلالة ، حنق عليهم .

                                                                                      تملك عشر سنين وشهرا ونصفا ، وعاش ثلاثا وأربعين سنة ، ومات بماسبذان في المحرم سنة تسع وستين ومائة وبويع ابنه الهادي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية