الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عمر بن بهليقا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الطحان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الذي جدد جامع العقيبة ببغداد واستأذن الخليفة في إقامة الجمعة فيه فأذن له في ذلك ، وكان قد اشترى ما حوله من القبور فأضاف ذلك إليه ونبش الموتى منها فقيض الله له من نبشه من قبره بعد دفنه جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد الحميد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبد الله الحراني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 415 ] كان آخر من بقي من الشهود المقبولين عند أبي الحسن الدامغاني وقد سمع الحديث وكان لطيفا ظريفا جمع كتابا سماه " روضة الأدباء " فيه نتف حسنة قال ابن الجوزي : زرته يوما فأطلت الجلوس عنده فقلت أقوم فقد ثقلت فأنشدني


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لئن سميت إبراما وثقلا زيارات رفعت بهن قدري     فما أبرمت إلا حبل ودي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا ثقلت إلا ظهر شكري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مرجان الخادم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان يقرأ القراءات وتفقه لمذهب الشافعي وكان يتعصب على الحنابلة ويكرههم ويعادي الوزير ابن هبيرة وابن الجوزي معاداة شديدة ويقول لابن الجوزي : مقصودي قلع مذهبكم . ولما مات ابن هبيرة في هذه السنة قوي على ابن الجوزي وخافه ابن الجوزي ، فلما توفي في هذه السنة فرح ابن الجوزي فرحا شديدا . وكانت وفاته في ذي القعدة منها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن التلميذ

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الطبيب الحاذق الماهر اسمه هبة الله بن صاعد كانت وفاته في هذه السنة عن خمس وتسعين سنة ، وكان موسعا عليه في الدنيا وله عند الناس وجاهة كبيرة ، وقد توفي - قبحه الله - على دينه ودفن بالبيعة العتيقة لا رحمه الله إن كان مات نصرانيا ; فإنه كان يزعم أنه مسلم ثم مات على دينه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الوزير ابن هبيرة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يحيى بن محمد بن هبيرة أبو المظفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الوزير للخلافة [ ص: 416 ] المعظمة مصنف كتاب " الإفصاح " ، قرأ القراءات وسمع الحديث وكانت له معرفة جيدة بالنحو واللغة والعروض ، وتفقه على مذهب الإمام أحمد وصنف كتبا جيدة مفيدة ; من ذلك " الإفصاح " ، في مجلدات يشرح فيه الحديث ويتكلم على مذهب العلماء وكان على مذهب السلف في الاعتقاد ، وقد كان فقيرا لا مال له ، ثم تعرض للخدمة إلى أن وزر للمقتفي ثم لابنه المستنجد ، وكان من خيار الوزراء وأحسنهم سيرة وأبعدهم عن الظلم ، وكان لا يلبس الحرير وكان المقتفي يقول : ما وزر لبني العباس مثله ، وكذلك ابنه المستنجد وكان معجبا به قال مرجان الخادم سمعت أمير المؤمنين المستنجد ينشد لابن هبيرة وهو بين يديه من شعره :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفت نعمتان خصتاك وعمتا     فذكرهما حتى القيامة يذكر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجودك والدنيا إليك فقيرة     وجودك والمعروف في الناس ينكر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلو رام يا يحيى مكانك جعفر     ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم أر من ينوي لك السوء يا أبا ال     مظفر إلا كنت أنت المظفر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان يبالغ في إقامة الدولة العباسية وحسم مادة الملوك السلجوقية عنهم بكل ممكن حتى استقرت الخلافة في العراق كله ، ليس للملوك معهم حكم بالكلية ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان يعقد في داره للعلماء مجلسا للمناظرة ; يبحثون فيه ويتناظرون عنده وبين يديه ; [ ص: 417 ] ويستفيد منهم ويستفيدون منه ; فاتفق يوما أنه كلم رجلا من الفقهاء كلمة فيها بشاعة قال : له يا حمار ، ثم ندم فقال : أريد أن تقول لي كما قلت لك . فتمنع ذلك الفقيه فصالحه على مائتي دينار . مات فجأة ويقال : إنه سمه طبيب فسم ذلك الطبيب بعد ستة أشهر ، وكان الطبيب يقول : سممته فسممت ، مات يوم الأحد الثاني عشر من جمادى الأولى من هذه السنة عن إحدى وستين سنة وغسله ابن الجوزي ، وحضر جنازته خلق كثير جدا ، وغلقت الأسواق وتباكى الناس عليه ، ودفن بالمدرسة التي أنشأها بباب البصرة رحمه الله وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبو القاسم عمر بن محمد بن أحمد بن عكرمة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      البزري الجزري ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخ الشافعية بها وكان يلقب زين الدين جمال الإسلام ، دخل بغداد فأخذ بها عن إلكيا الهراسي والغزالي والشاشي صاحب المستظهري ، وجمع كتابا على المهذب وذكر فيه إشكالات ما سواه ، وأسماء رجاله ولغته ، وهو في مجلد على ما ذكره ابن خلكان ، ورحلت إليه الطلبة من كل ناحية ، وكان أحفظ الناس في وقته لمذهب الشافعي . توفي في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية