الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وآت ذا القربى حقه الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج البخاري في "تاريخه"، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وآت ذا القربى حقه قال : أمره بأحق الحقوق، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده، وكيف يصنع إذا لم يكن، فقال : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك . قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقا من الله، فقل لهم قولا ميسورا : يكون إن شاء الله . "يكون" شبه العدة . قال سفيان : العدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وآت ذا القربى حقه الآية . قال : هو أن تصل ذا القرابة، وتطعم المسكين، وتحسن إلى ابن السبيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين، أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن؟ قال : نعم . قال : أفما قرأت في "بني إسرائيل" : وآت ذا القربى حقه ؟ قال : وإنكم للقرابة الذي أمر الله أن يؤتى حقه؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 317 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : كان ناس من بني عبد المطلب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه، فإذا صادفوا عنده شيئا أعطاهم، وإن لم يصادفوا عنده شيئا سكت، ولم يقل لهم : نعم . ولا : لا . والقربى قربى بني عبد المطلب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن الحسن في قوله : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل . قال : هو أن توفيهم حقهم إن كان يسيرا، وإن لم يكن عندك فقل لهم قولا ميسورا، وقل لهم الخير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "الأدب المفرد"، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وآت ذا القربى حقه الآية . قال : بدأ فأمره بأوجب الحقوق، ودله على أفضل الأعمال إذا كان عنده شيء، فقال : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل . وعلمه إذا لم يكن عنده شيء كيف يقول فقال : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا : عدة حسنة، كأنه قد كان، ولعله أن يكون إن شاء الله، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك : لا تعطي شيئا، ولا تبسطها كل البسط : تعطي ما عندك، فتقعد ملوما يلومك من يأتيك بعد ولا يجد عندك شيئا، محسورا . قال : قد حسرك من قد [258ظ] أعطيته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "الأدب" عن كليب بن منفعة قال : قال جدي : يا رسول الله، من أبر؟ قال : "أمك وأباك، وأختك وأخاك، ومولاك الذي يلي [ ص: 318 ] ذاك؛ حق واجب ورحم موصولة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والبخاري في "الأدب"، وابن ماجه ، والحاكم ، والطبراني ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن المقدام بن معديكرب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "الأدب" عن ابن عمر قال : ما أنفق الرجل نفقة على نفسه وأهله يحتسبها، إلا آجره الله فيها، وابدأ بمن تعول، فإن كان فضل فالأقرب الأقرب، وإن كان فضل فناول .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "الأدب"، والبيهقي في "شعب الإيمان" واللفظ له، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا بعد للرحم إذا قربت وإن كانت بعيدة، ولا قرب لها إذا بعدت وإن كانت قريبة، وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 319 ] وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن مسعود ، أن أعرابيا قال : يا رسول الله، إني رجل موسر، وإن لي أما وأبا، وأختا وأخا، وعما وعمة، وخالا وخالة، فأيهم أولى بصلتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أمك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والحاكم ، والبيهقي ، عن أبي رمثة التيمي؛ تيم الرباب، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ويقول : "يد المعطي العليا؛ أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، والحاكم ، والشيرازي في "الألقاب"، والبيهقي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله عز وجل ليعمر للقوم الديار، ويكثر لهم الأموال، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم" . قيل : يا رسول الله، وبم ذلك؟ قال : "بصلتهم أرحامهم" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي ، وابن عدي، وابن لال في "مكارم الأخلاق"، وابن عساكر ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن أهل البيت إذا تواصلوا [ ص: 320 ] أجري عليهم الرزق، وكانوا في كنف الرحمن عز وجل" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي ، وابن جرير ، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"، من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونون فجارا، فتنمي أموالهم، ويكثر عددهم إذا وصلوا الرحم، وإن أعجل المعصية عقابا البغي، واليمين الفاجرة تذهب المال، وتعقم الرحم، وتدع الديار بلاقع" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن ثعلبة بن زهدم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب : "يد المعطي العليا، ويد السائل السفلى، وابدأ بمن تعول؛ أمك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك فأدناك" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية : وآت ذا القربى حقه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 321 ] وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت : وآت ذا القربى حقه أقطع رسول الله فاطمة فدك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعطي وكيف يعطي وبمن يبدأ، فأنزل الله : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل فأمره الله أن يبدأ بذي القربى، ثم بالمسكين وابن السبيل من بعدهم، وقال : ولا تبذر تبذيرا . يقول الله عز وجل : ولا تعط مالك كله فتقعد بغير شيء . ثم قال : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك فتمنع ما عندك، فلا تعطي أحدا، ولا تبسطها كل البسط . فنهاه أن يعطي إلا ما بين له، وقال له : وإما تعرضن عنهم . يقول : تمسك عن عطائهم، فقل لهم قولا ميسورا . يعني قولا معروفا؛ لعله أن يكون، عسى أن يكون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والحاكم وصححه، عن أنس، أن رجلا قال : يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ قال : "تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل والجار والمسكين" . فقال : يا رسول الله، أقلل لي؟ قال : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا قال : حسبي [ ص: 322 ] يا رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، والبخاري في "الأدب"، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الشعب"، عن ابن مسعود في قوله : ولا تبذر تبذيرا . قال : التبذير إنفاق المال في غير حقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : كنا أصحاب محمد نتحدث أن التبذير النفقة في غير حقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، والبخاري في الأدب، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في "الشعب"، عن ابن عباس في قوله : إن المبذرين . قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : ولا تبذر تبذيرا . يقول : لا تعط مالك كله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : من السرف أن يكتسي الإنسان [ ص: 323 ] ويأكل ويشرب مما ليس عنده، وما جاوز الكفاف فهو التبذير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن علي بن أبي طالب قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير، وما تصدقت فلك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عن عطاء الخراساني قال : جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا أجد ما أحملكم عليه " . تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا [التوبة : 92] . ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، فأنزل الله : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك الآية . قال : الرحمة الفيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، من طريق عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله : ابتغاء رحمة . قال : رزق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها قال : انتظار رزق الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : وإما تعرضن عنهم يقول : لا [ ص: 324 ] تجد شيئا تعطيهم، ابتغاء رحمة من ربك . يقول : انتظار الرزق من ربك، نزلت فيمن كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من المساكين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : فقل لهم قولا ميسورا . قال : لينا سهلا؛ سيكون إن شاء الله فأفعل، سنصيب إن شاء الله فأفعل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : فقل لهم قولا ميسورا . يقول : قل لهم : نعم وكرامة، وليس عندنا اليوم، فإن يأتنا شيء نعرف حقكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : قولا ميسورا . قال : قولا جميلا؛ رزقنا الله وإياك، بارك الله فيك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : فقل لهم قولا ميسورا . قال : العدة . قال سفيان : والعدة من رسول الله دين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية