الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبد الرزاق بن همام ( ع )

                                                                                      ابن نافع ، الحافظ الكبير ، عالم اليمن ، أبو بكر الحميري ، [ ص: 564 ] مولاهم الصنعاني الثقة الشيعي .

                                                                                      ارتحل إلى الحجاز ، والشام ، والعراق ، وسافر في تجارة .

                                                                                      حدث عن هشام بن حسان ، وعبيد الله بن عمر ، وأخيه عبد الله ، وابن جريج ، ومعمر ، فأكثر عنه ، وحجاج بن أرطاة ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، والمثنى بن الصباح ، وعمر بن ذر ، ومحمد بن راشد ، وزكريا بن إسحاق ، وعكرمة بن عمار ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، وثور بن يزيد ، وأيمن بن نابل ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، وسفيان الثوري ، وإسرائيل بن يونس ، ومالك بن أنس ، ووالده همام ، وخلق سواهم .

                                                                                      حدث عنه شيخه سفيان بن عيينة ، ومعتمر بن سليمان ، وأبو أسامة ، وطائفة من أقرانه ، وأحمد بن حنبل ، وابن راهويه ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وإسحاق الكوسج ، ومحمد بن يحيى ، ومحمد بن رافع ، وعبد بن حميد ، ويحيى بن جعفر البيكندي ، ويحيى بن موسى خت والحسن بن أبي الربيع ، وأحمد بن منصور الرمادي ، وأحمد بن يوسف السلمي ، وأحمد بن الأزهر ، وسلمة بن [ ص: 565 ] شبيب ، وإسحاق بن إبراهيم الدبري ، وإبراهيم بن سويد الشبامي والحسن بن عبد الأعلى البوسي وإبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني ، وأحمد بن صالح المصري ، وحجاج بن الشاعر ، ومحمد بن حماد الطهراني ومؤمل بن إهاب .

                                                                                      قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنه ولد سنة ست وعشرين ومائة .

                                                                                      وقال أحمد بن أبي خيثمة : قال عبد الرزاق : لزمت معمرا ثماني سنين . حدثناه أحمد بن يحيى ، وابن معين .

                                                                                      عباس ، عن ابن معين ، قال : كان عبد الرزاق في حديث معمر أثبت من هشام بن يوسف ، وكان هشام بن يوسف أثبت منه في حديث ابن جريج ، وأقرأ لكتب ابن جريج من عبد الرزاق ، وكان أعلم بحديث سفيان الثوري من عبد الرزاق .

                                                                                      أبو زرعة الدمشقي ، أخبرنا أحمد ، قال : أتينا عبد الرزاق قبل المائتين ، وهو صحيح البصر ، ومن سمع منه بعدما ذهب بصره ، فهو ضعيف السماع .

                                                                                      وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : إذا اختلف أصحاب [ ص: 566 ] معمر ، فالحديث لعبد الرزاق .

                                                                                      قال علي بن المديني : قال لي هشام بن يوسف : كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا .

                                                                                      قلت : هكذا كان النظراء يعترفون لأقرانهم بالحفظ .

                                                                                      وقال يحيى بن معين : ما كان أعلم عبد الرزاق بمعمر ، وأحفظه عنه ، وكان هشام بن يوسف فصيحا ، يبتدع الخطبة على المنبر .

                                                                                      قال عثمان بن سعيد : قلت لابن معين : فعبد الرزاق في سفيان ؟ قال : مثلهم ، يعني : قبيصة ، والفريابي ، وعبيد الله ، وابن يمان .

                                                                                      قال أحمد العجلي : عبد الرزاق ثقة ، كان يتشيع .

                                                                                      وفي " المسند " : قال أحمد بن حنبل : ما كان في قرية عبد الرزاق بئر ، فكنا نذهب نبكر على ميلين نتوضأ ، ونحمل معنا الماء .

                                                                                      وقال أبو عمرو المستملي : سمعت محمد بن رافع ، يقول : كنت مع أحمد وإسحاق عند عبد الرزاق ، فجاءنا يوم الفطر ، فخرجنا مع عبد الرزاق إلى المصلى ، ومعنا ناس كثير ، فلما رجعنا ، دعانا عبد الرزاق إلى الغداء ، ثم قال لأحمد وإسحاق : رأيت اليوم منكما عجبا ، لم تكبرا ، فقال أحمد وإسحاق : يا أبا بكر ، كنا ننتظر هل تكبر ، فنكبر ، فلما رأيناك لم تكبر ، أمسكنا ، قال : وأنا كنت أنظر إليكما ، هل تكبران فأكبر .

                                                                                      [ ص: 567 ] مكي بن عبدان : حدثنا أبو الأزهر ، سمعت عبد الرزاق ، يقول : صار معمر هليلجة في فمي .

                                                                                      الحسن بن سفيان : سمعت فياض بن زهير النسائي ، يقول : تشفعنا بامرأة عبد الرزاق عليه ، فدخلنا ، فقال : هاتوا ، تشفعتم إلي بمن ينقلب معي على فراشي ؟ ثم قال :

                                                                                      ليس الشفيع الذي يأتيك متزرا مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا



                                                                                      عباس : حدثنا يحيى ، قال بشر بن السري : قال عبد الرزاق : قدمت مكة مرة ، فأتاني أصحاب الحديث يومين ، ثم انقطعوا عني يومين ، أو ثلاثة ، فقلت : يا رب ما شأني ؟ أكذاب أنا ؟ أي شيء أنا ؟ .

                                                                                      قال : فجاءوني بعد ذلك .

                                                                                      المفضل الجندي : حدثنا سلمة بن شبيب ، سمعت عبد الرزاق يقول : أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكبر والضعف ، حتى إذا بلغ أحدهم مائة سنة ، كتب عنه ، فإما أن يقال : كذاب ، فيبطلون علمه ، وإما أن يقال : مبتدع ، فيبطلون عمله ، فما أقل من ينجو من ذلك .

                                                                                      محمود بن غيلان ، عن عبد الرزاق : قال لي وكيع : أنت رجل عندك حديث ، وحفظك ليس بذاك ، فإذا سئلت عن حديث ، فلا تقل : ليس هو عندي ، ولكن قل : لا أحفظه .

                                                                                      قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في " المسند " : قال يحيى بن [ ص: 568 ] معين قال لي عبد الرزاق : اكتب عني حديثا واحدا من غير كتاب . قلت : لا ، ولا حرف .

                                                                                      ابن أبي خيثمة : حدثنا ابن معين ، قال لي عبد الرزاق بمكة قبل أن أقدم عليه اليمن : يا فتى ، ما تريد إلى هذه الأحاديث ، سمعنا ، وعرضنا ، وكل سماع ، وقال لي : إن هذه الكتب كتبها لي الوراقون سمعناها مع أبي .

                                                                                      عبد الله بن أحمد
                                                                                      ، وعباس - واللفظ له - : حدثنا يحيى بن معين : قال لي أبو جعفر السويدي جاءوا إلى عبد الرزاق بأحاديث كتبوها ، ليست من حديثه ، فقالوا له : اقرأها علينا ، فقال : لا أعرفها ، فقالوا : اقرأها علينا ، ولا تقل فيها حدثنا ، فقرأها عليهم .

                                                                                      قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول في حديث أبي هريرة ، حدث به عبد الرزاق النار جبار لم يكن في الكتب ، باطل ، رواها الأثرم عن أحمد ، وزاد : ثم قال : ومن يحدث به عن عبد الرزاق ؟ قلت : حدثنا أحمد بن شبويه ، قال : هؤلاء سمعوا بعدما عمي ، كان يلقن ، [ ص: 569 ] فلقنوه ، وليس في كتبه ، وقد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه .

                                                                                      قلت : أظنها تصحفت عليهم ، فإن النار قد تكتب : " النير " على الإمالة بياء على هيئة " البير " ، فوقع التصحيف .

                                                                                      ابن أبي العقب ، وأبو الميمون ، حدثنا أبو زرعة ، حدثني محمود بن سميع ، سمع أحمد بن صالح يقول : قلت لأحمد بن حنبل : رأيت أحسن حديثا من عبد الرزاق ؟ قال : لا .

                                                                                      قال كاتبه : ما أدري ما عنى أحمد بحسن حديثه ، هل هو جودة الإسناد ، أو المتن ، أو غير ذلك ؟ .

                                                                                      الفسوي : حدثنا محمد بن أبي السري ، قلت لعبد الرزاق : ما رأيك أنت ؟ - يعني في التفضيل - قال : فأبى أن يخبرني ، وقال : كان سفيان يقول : أبو بكر وعمر ، ويسكت ، ثم قال لي سفيان : أحب أن أخلو بأبي عروة - يعني معمرا - فقلنا لمعمر ، فقال : نعم ، فخلا به ، فلما أصبح ، قلت : يا أبا عروة ، كيف رأيته ؟ قال : هو رجل ، إلا أنه قلما تكاشف كوفيا إلا وجدت فيه شيئا - يريد التشيع - ثم قال عبد الرزاق : وكان مالك يقول : أبو بكر وعمر ، ويسكت ، وكان معمر يقول : أبو بكر وعمر وعثمان ، ويسكت . ومثله كان يقول هشام بن حسان .

                                                                                      [ ص: 570 ] قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي : أكان عبد الرزاق يفرط في التشيع ؟ قال : أما أنا ، فلم أسمع منه في هذا شيئا ، ولكن كان رجلا يعجبه أخبار الناس أو الأخبار .

                                                                                      محمد بن أيوب بن الضريس : سألت محمد بن أبي بكر المقدمي عن حديث لجعفر بن سليمان ، فقلت : روى عنه عبد الرزاق ، فقال : فقدت عبد الرزاق ، ما أفسد جعفرا غيره - يعني في التشيع - قلت أنا : بل ما أفسد عبد الرزاق سوى جعفر بن سليمان .

                                                                                      قال أبو جعفر العقيلي : حدثنا أحمد بن بكير الحضرمي ، حدثنا محمد بن إسحاق بن يزيد البصري ، سمعت مخلدا الشعيري ، يقول : كنت عند عبد الرزاق ، فذكر رجل معاوية ، فقال : لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان !

                                                                                      عبد الله بن أحمد ، قلت لابن معين : تخشى السن على عبد الرزاق ؟ فقال : أما حيث رأيناه ، فما كان بلغ الثمانين ، نحو من سبعين ، ثم قال يحيى : ذكر أبو جعفر السويدي أن قوما من الخراسانية ، من أصحاب الحديث ، جاءوا إلى عبد الرزاق بأحاديث للقاضي هشام بن يوسف ، تلقطوها عن معمر ، من حديث هشام ، وابن ثور ، وكان ابن ثور ثقة ، فجاءوا بها إلى عبد الرزاق ، فنظر فيها ، فقال : بعضها سمعتها ، وبعضها لا أعرفها ، ولم أسمعها ، قال : فلم [ ص: 571 ] يفارقوه حتى قرأها ، ولم يقل لهم : حدثنا ، ولا أخبرنا . حدثني السويدي بهذا .

                                                                                      آدم بن موسى : سمعت البخاري يقول : عبد الرزاق ما حدث من كتابه فهو أصح .

                                                                                      أبو زرعة الرازي ، حدثنا عبد الله بن محمد المسندي ، قال : ودعت ابن عيينة ، فقلت : أتريد عبد الرزاق ؟ قال : أخاف أن يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا .

                                                                                      عباس : سمعت ابن معين : قال هشام بن يوسف : عرض معمر هذه الأحاديث على همام بن منبه ، إلا أنه سمع منها نيفا وثلاثين حديثا - يعني : صحيفة همام ، التي رواها عبد الرزاق ، عن معمر عنه ، وهي مائة ونيف وثلاثون حديثا ، أكثرها في " الصحيحين " .

                                                                                      العقيلي في كتاب " الضعفاء " له ، في ترجمة عبد الرزاق : حدثنا محمد بن أحمد بن حماد ، سمعت محمد بن عثمان الثقفي ، قال : لما قدم العباس بن عبد العظيم من عند عبد الرزاق من صنعاء ، قال لنا - ونحن جماعة - : ألست قد تجشمت الخروج إلى عبد الرزاق ، فدخلت إليه ، وأقمت عنده حتى سمعت منه ما أردت ؟ والله الذي لا إله إلا هو ، إن عبد الرزاق كذاب ، والواقدي أصدق منه .

                                                                                      قلت : بل والله ما بر عباس في يمينه ، ولبئس ما قال ، يعمد إلى [ ص: 572 ] شيخ الإسلام ، ومحدث الوقت ، ومن احتج به كل أرباب الصحاح - وإن كان له أوهام مغمورة ، وغيره أبرع في الحديث منه - فيرميه بالكذب ، ويقدم عليه الواقدي الذي أجمعت الحفاظ على تركه ، فهو في مقالته هذه خارق للإجماع بيقين .

                                                                                      قال العقيلي سمعت علي بن عبد الله بن المبارك الصنعاني يقول : كان زيد بن المبارك ، قد لزم عبد الرزاق ، فأكثر عنه ، ثم خرق كتبه ، ولزم محمد بن ثور ، فقيل له في ذلك ، فقال : كنا عند عبد الرزاق ، فحدثنا بحديث معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان . . . الحديث الطويل ، فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس : فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ، وجاء هذا يطلب ميراث امرأته ، قال عبد الرزاق : انظروا إلى الأنوك ، يقول : تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث زوجته من أبيها ، لا يقول : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال زيد بن المبارك : فلم أعد إليه ، ولا أروي عنه .

                                                                                      قلت : هذه عظيمة ، وما فهم قول أمير المؤمنين عمر ، فإنك يا هذا لو سكت ، لكان أولى بك ، فإن عمر إنما كان في مقام تبيين العمومة والبنوة ، وإلا فعمر - رضي الله عنه - أعلم بحق المصطفى وبتوقيره وتعظيمه من كل متحذلق متنطع ، بل الصواب أن نقول عنك : انظروا إلى هذا الأنوك الفاعل - عفا الله عنه - كيف يقول عن عمر هذا ، ولا يقول : قال أمير المؤمنين - الفاروق - ؟ ! وبكل حال فنستغفر الله لنا ولعبد [ ص: 573 ] الرزاق ، فإنه مأمون على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صادق .

                                                                                      قال العقيلي : حدثنا أحمد بن محمد : سمعت أبا صالح محمد بن إسماعيل الصراري يقول : بلغنا ونحن بصنعاء عند عبد الرزاق أن أصحابنا ، يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما ، تركوا حديث عبد الرزاق وكرهوه ، فدخلنا من ذلك غم شديد ، وقلنا : قد أنفقنا ، ورحلنا وتعبنا ، فلم أزل في غم من ذلك إلى وقت الحج ، فخرجت إلى مكة ، فلقيت بها يحيى بن معين ، فقلت له : يا أبا زكريا ، ما نزل بنا من شيء بلغنا عنكم في عبد الرزاق ؟ قال : وما هو ؟ قلنا : بلغنا أنكم تركتم حديثه ، ورغبتم عنه ، قال : يا أبا صالح ، لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ، ما تركنا حديثه .

                                                                                      أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن معين ، وبلغه أن أحمد بن حنبل تكلم في عبيد الله بن موسى بسبب التشيع ، فقال يحيى : والله العظيم ، لقد سمعت من عبد الرزاق في هذا المعنى أكثر مما يقول عبيد الله بن موسى ، ولكن خاف أحمد بن حنبل أن تذهب رحلته إلى عبد الرزاق ، أو كما قال - رواها ثقتان عنه .

                                                                                      أحمد بن زهير : أنبئونا عن بركات الخشوعي ، أنبأنا أبو طالب اليوسفي ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، حدثنا القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، سمعت سلمة بن شبيب ، سمعت عبد الرزاق ، يقول : ما انشرح صدري قط أن أفضل عليا على أبي بكر وعمر ، فرحمهما الله ، [ ص: 574 ] ورحم عثمان وعليا ، من لم يحبهم فما هو بمؤمن ، أوثق عملي حبي إياهم .

                                                                                      أبو حامد بن الشرقي ، حدثنا أبو الأزهر ، سمعت عبد الرزاق يقول : أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه ، كفى بي إزراء أن أخالف عليا - رضي الله عنه - .

                                                                                      عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني حدثنا عباس بن عبد العظيم ، عن زيد بن المبارك قال : كان عبد الرزاق كذابا يسرق الحديث .

                                                                                      وذكره أبو أحمد بن عدي في " كامله " فقال : نسبوه إلى التشيع ، وروى أحاديث في الفضائل لا يوافق عليها ، فهذا أعظم ما ذموه به من روايته هذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم ، مما لم أذكره ، وأما الصدق ، فإني أرجو أنه لا بأس به ، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في أهل البيت ، ومثالب آخرين مناكير ، وقد سمعت ابن حماد ، سمعت أبا صالح الصراري . . . فذكر حكايته ، وقول يحيى : لو ارتد ما تركنا حديثه .

                                                                                      وقد أورد أبو القاسم بن عساكر ترجمة عبد الرزاق في سبع عشرة ورقة . وأفظع حديث له ما تفرد به عنه الثقة أحمد بن الأزهر في مناقب الإمام علي ، فإنه شبه موضوع ، وتابعه عليه محمد بن علي بن سفيان [ ص: 575 ] الصنعاني النجار قالا : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي فقال : أنت سيد في الدنيا ، سيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ، فالويل لمن أبغضك بعدي .

                                                                                      قال الحاكم : حدث به أبو الأزهر ببغداد في حياة يحيى بن معين ، فأنكره من أنكره ، حتى تبين للجماعة أن أبا الأزهر بريء الساحة منه ، فإنه صادق . وحدثناه أبو علي محمد بن علي بن عمر المذكر ، حدثنا أبو الأزهر ، فذكره ، وحدثني عبد الله بن سعد ، حدثنا محمد بن حمدون ، حدثنا محمد بن علي النجار ، فذكره .

                                                                                      وسمعت أبا علي الحافظ ، سمعت أحمد بن يحيى التستري يقول : لما حدث أبو الأزهر بهذا في الفضائل ، أخبر يحيى بن معين بذلك ، فبينا هو عنده في جماعة أصحاب الحديث ، إذ قال : من هذا الكذاب النيسابوري الذي حدث بهذا عن عبد الرزاق ؟ فقام أبو الأزهر فقال : هو ذا أنا ، فتبسم يحيى بن معين ، وقال : أما إنك لست بكذاب ، وتعجب من سلامته ، وقال : الذنب لغيرك فيه .

                                                                                      وسمعت أبا أحمد الحافظ ، سمعت أبا حامد بن الشرقي ، وسئل عن حديث أبي الأزهر ، عن عبد الرزاق ، في فضل علي ، فقال : هذا باطل ، والسبب فيه أن معمرا كان له ابن أخ رافضي ، وكان معمر يمكنه من كتبه ، فأدخل عليه هذا الحديث ، وكان معمر مهيبا ، لا يقدر [ ص: 576 ] أحد على مراجعته ، فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخي معمر .

                                                                                      قلت : هذه حكاية منقطعة ، وما كان معمر شيخا مغفلا يروج هذا عليه ، كان حافظا بصيرا بحديث الزهري .

                                                                                      قال مكي بن عبدان : حدثنا أبو الأزهر ، قال : خرج عبد الرزاق إلى قريته ، فبكرت إليه يوما ، حتى خشيت على نفسي من البكور ، فوصلت إليه قبل أن يخرج لصلاة الصبح ، فلما خرج ، رآني ، فأعجبه ، فلما فرغ من الصلاة ، دعاني ، وقرأ علي هذا الحديث ، وخصني به دون أصحابي .

                                                                                      أخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا سالم بن الحسن ، أخبرنا أبو الفتح بن شاتيل ، أخبرنا الحسين بن علي ، أخبرنا عبد الله بن يحيى ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، أخبرني ابن أبي مليكة قال : دخلت أنا وابن فيروز مولى عثمان على ابن عباس ، فقال له ابن فيروز : يا أبا عباس يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم الآية فقال ابن عباس : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله بن فيروز ، فقال ابن عباس : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة فقال : أسألك يا أبا عباس ؟ قال : أيام سماها الله ، هو أعلم بها ، أكره أن أقول فيها ما لا أعلم ، قال ابن أبي مليكة : فضرب الدهر حتى دخلت على سعيد بن المسيب ، فسئل عنها ، فلم يدر ما يقول ، فقلت له : ألا أخبرك ما حضرت من ابن عباس ، فأخبرته ، فقال ابن المسيب للسائل : هذا ابن عباس قد اتقى [ ص: 577 ] أن يقول فيها ، وهو أعلى مني .

                                                                                      وبه إلى عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، قال : كان عدي بن أرطاة يبعث إلى الحسن كل يوم قعابا من ثريد ، فيأكل هو وأصحابه .

                                                                                      قلت : قد كان عدي أميرا على البصرة لعمر بن عبد العزيز .

                                                                                      وبه إلى عبد الرزاق : أخبرنا الثوري ، حدثني منصور ، عن مجاهد ، عن عقار بن المغيرة بن شعبة ، عن أبيه ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من اكتوى أو استرقى ، فقد برئ من التوكل .

                                                                                      وبه إلى عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الزهري قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض أهله فقال : أين فلانة ؟ قالوا : اشتكت عينها ، فقال : استرقوا لها ، فقد أعجبتني عيناها .

                                                                                      قرأت على أحمد بن إسحاق ، أخبركم الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا عبد الله بن أبي شريك ، أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، حدثنا عيسى بن علي إملاء قال : قرئ على أبي عمر محمد بن يوسف [ ص: 578 ] القاضي وأنا أسمع في سنة سبع عشرة وثلاثمائة ، قيل له : حدثكم أحمد بن منصور بن سيار ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، أخبرني أنس قال : فرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به الصلوات خمسين ، ثم نقصت إلى خمس ، ثم نودي : يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ، وإن لك بالخمس خمسين .

                                                                                      وأخبرنا أحمد بن عبد الرحمن ، ومحمد بن محمد الكاتب ، وعبد الرحيم بن عبد المحسن قالوا : أخبرنا عبد الرحمن بن مكي ، أخبرنا جدي أبو طاهر الحافظ ، أخبرنا مكي بن منصور ، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ، حدثنا محمد بن أحمد بن معقل ، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : فرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به الصلوات خمسين ، ثم نقصت حتى جعلت خمسا ، ثم نودي : يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ، وإن لك بهذه الخمس خمسين " . أخرجه الترمذي عن الذهلي .

                                                                                      أخبرنا أبو المعالي الهمذاني ، أخبرنا أحمد بن يوسف ، والفتح بن عبد الله ( ح ) وأخبرنا عمر بن عبد المنعم ، أخبرنا أبو اليمن الكندي قالوا : أخبرنا محمد بن القاضي ( ح ) وأخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء ، عن [ ص: 579 ] عبد المعز بن محمد ، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد قالا : أخبرنا أحمد بن محمد البزاز ، أخبرنا علي بن عمر السكري ، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي ، حدثنا يحيى بن معين في سنة سبع وعشرين ومائتين ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، وعبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون المحصب .

                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أخبرنا أبو محمد بن قدامة ، أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الخطيب ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد ، أخبرنا إسماعيل بن محمد ، أخبرنا أحمد بن منصور ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : قال عمر : " يا أسلم ، لا يكن حبك كلفا ، ولا بغضك تلفا . قلت : وكيف ذاك ؟ قال : إذا أحببت ، فلا تكلف كما يكلف الصبي ، وإذا أبغضت ، فلا تبغض بغضا تحب أن يتلف صاحبك ويهلك " .

                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون ، أخبرنا الحسين بن بطحاء ، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثني الحسين بن داود بن معاذ البلخي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري في قوله - عز [ ص: 580 ] وجل - : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال : تنظر في وجه الرحمن - عز وجل .

                                                                                      توفي عبد الرزاق في شوال ، سنة إحدى عشرة ومائتين .

                                                                                      يحيى بن معين : سمعت هشام بن يوسف يقول : كان لعبد الرزاق حين قدم ابن جريج اليمن ثماني عشرة سنة .

                                                                                      قال يعقوب بن شيبة : عن ابن المديني ، قال لي هشام بن يوسف : كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا . قال يعقوب : وكل ثقة ثبت .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية